Author

حتى لا يتسللوا إلى أطفالكم

|

يقال إنه لا يوجد بديل عن الإشراف الأبوي لحماية الأطفال والمراهقين في عالم الإنترنت الخطر، لكن حتى مع مثل هذه المراقبة، فإن الإنترنت لا يزال مكانا خطيرا، وبينما يعتقد كثير من الناس، بمن فيهم الأطفال والآباء الذين مع أطفالهم، أن تصفح الإنترنت يمكن أن يحدث مع عدم التعريف بالهوية، إلا أن التقنيات المتوافرة تمكن من اكتشاف هوية المتصفح وعمره وتبدأ عمليات الاستهداف، ذلك أن كل من يدخل عالم الإنترنت له "بصمة رقمية" خاصة به، ومهما قيل حول تعليم الأطفال بشأن الاتصال عبر الإنترنت مع الأشخاص الذين يعرفونهم بالفعل، إلا أن الحدود الفاصلة بين من يعد غريبا ومن هو المعروف تتضاءل في عالم الإنترنت، فالغرباء يصبحون "أصدقاء" للطفل عبر الإنترنت، بينما هم راشدون ومن مرتكبي الجرائم، وينصح أصحاب الخبرة في هذه المجالات أن يقوم الآباء بتثبيت برامج معينة على الأجهزة الخاصة تلك التي يستخدمها الأطفال بحيث يتمكن الآباء من تقييد أنشطتهم وقصرها على مواقع معينة، ومع ذلك، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تظل مستهدفة ومخترقة بطرق مختلفة.

وأثبتت الأحداث قدرة أصحاب الجرائم على الوصول، حيث يتعرض الأطفال لمشكلات مع المتصلين تصل إلى التنمر أو المطاردة أو الاستمالة من خلال تكوين صداقات بغرض التحرش في مرحلة لاحقة، ومهما تم شرح مخاطر استخدام الإنترنت، فإن هذه المخاطر تتفاعل وتتطور كلما تطورت التقنية، ولأجل ذلك قامت المملكة المتحدة أخيرا بدراسة تشريع جديد ستدخل مراحله النهائية في مجلس العموم قريبا، وقد أثار جدلا واسعا، وهو قانون الأمان على الإنترنت الذي يشتمل على مجموعة جديدة من التشريعات التي تهدف إلى الضغط على شركات التواصل الاجتماعي بشكل خاص من أجل إضافة مزايا جديدة تضمن حماية البصمة الرقمية للأطفال والبالغين عبر الإنترنت، وهو ما سيجعل شركات التواصل الاجتماعي أكثر مسؤولية عن سلامة مستخدميها على منصاتهم، وهذا تحول مهم من فرضية أنه لا يوجد بديل عن الإشراف الأبوي لحماية الأطفال، إلى تحميل شركات وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية قانونية عن الحفاظ على أمان الأطفال والشباب على الإنترنت.

هذه المسؤولية، وفقا للتشريعات الجديدة تضمن وجوب منع ظهور المحتوى غير القانوني وإزالته بسرعة ومنع الأطفال من الوصول إلى المحتوى الضار وغير المناسب للفئة العمرية، مع فرض حدود العمر وتدابير التحقق من العمر، مع ضمان شفافية أكبر للآباء بشأن المخاطر، التي قد يتعرض لها الأطفال في منصات التواصل الاجتماعي، وجعل الإبلاغ عن المشكلات عبر الإنترنت عند ظهورها أكثر سهولة، وهذا التحول التشريعي المهم، وإن كان منحصرا حتى الآن في المملكة المتحدة، فإن آثاره ستعم العالم أجمع، حيث إن شركات التواصل الاجتماعي الكبرى تستخدم على نطاق واسع، والتعديلات التي ستتم في المملكة المتحدة سيستفيد منها العالم.
وفي تقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا عن هذا التشريع المنتظر تبين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي قلقة من مسألة إجراءات التحقق من العمر الواردة في قانون الأمان على الإنترنت في المملكة المتحدة، وهذا القلق ليس من جانب عدم اهتمام هذه الشركات بمسألة حماية الأطفال، ولكن لأن مثل هذا الإجراء سيتسبب في تحولات عميقة في سلوك المستخدمين، وهي آليات التحقق من الهوية، كما سيطول الموضوع قضايا أكثر حساسية بشأن العدد الحقيقي للمستخدمين والعدد الحقيقي للمتابعين في أي حساب على وسائل التواصل، وهذا له أثر متعد نحو إيرادات الإعلانات على المنصات بما في ذلك "تيك توك" و"إنستجرام".

فعلى الرغم من أن شركات التواصل الاجتماعي تتيح لـFacebook التسجيل واستخدام الموقع مجانا، إلا أنها تجني الأموال من خلال الإعلان وخطط العضوية المميزة، كما أن بعض الشركات يقوم بتجميع أنماط تاريخية وتصفيتها ثم بيعها مثل الإعجابات والموضوعات، ما يمكن من عمليات الاستهداف في الإعلانات، لذلك فإن أعداد المستخدمين للتطبيق أو البرنامج تعد حاسمة في مسألة مصداقية المعلومات، التي تبيعها الشركة لآخرين ومسألة القدرة على الوصول الإعلاني، فأي تشريع يضع عدد المستخدمين محل تساؤل أو يقود إلى تقليصهم يعد عدائيا بالنسبة إلى هذه الشركات، وهنا فإن قانون الأمان على الإنترنت في الفصل الرابع منه يقتضي وجوب تقييم وصول الأطفال للمحتوى، وهذا يتطلب تحديد ما إذا كان من الممكن للأطفال الوصول إلى الخدمة أو جزء منها، وما إذا كان المستخدم طفلا ومستوفي الشروط، وينص القانون أيضا على حق مقدم الخدمة فقط أن يستنتج أنه ليس من الممكن للأطفال الوصول إلى خدمة، أو جزء منها، إذا كانت هناك أنظمة أو عمليات مطبقة "على سبيل المثال، التحقق من العمر، أو وسيلة أخرى لضمان العمر"، هذه النصوص تجعل من الضروري للشركات التي تعمل في شبكات التواصل وغيرها بالطبع ممن يقدم خدمات من خلال الإنترنت تطوير عمليات التحقق من العمر، وبالطبع هذا يتطلب تحديدا للهوية الرقمية، وبذلك فإن مثل هذا التحقق يعني أن المستخدمين غير القادرين على تحديد هوياتهم غير قادرين على الوصول إلى المنصات، وبذلك فإنه من المتوقع أن يتسبب ذلك في تراجع أعداد المستخدمين لهذه الشبكات بشكل جوهري، وإذا حدث هذا، فإن مخزون الشركات من المستخدمين سيتراجع أيضا، وبالتالي النشاط على الموقع، وأكد بعض الدراسات أن هناك انخفاضا يراوح بين 10 و20 في المائة في عدد المستخدمين عندما يتم طلب تحديد الهوية، ولا بد لهذا من أثر في الإعلانات والإيرادات، وإذا حدث ذلك، فإن أسعار الأسهم لهذه الشركات قد تتهاوى بشكل حاد، ليس هذا فحسب، بل إن الاستطلاع الاقتصادي توصل إلى أن الأدوات التي تستخدم من أجل التحقق من الهوية قد تصل إلى استخدام تكنولوجيا مسح الوجه، وهذا يعني مزيدا من التكاليف الإضافية على الشركات.

فمقدمو خدمات تكنولوجيا تقدير العمر، يتقاضون نحو 0.10 جنيه استرليني لكل عملية مسح ضوئي للوجه، وفقا لبيان التأثير الحكومي لمشروع قانون الأمان على الإنترنت، على الرغم من أنه يمكن تقليل هذا بالنسبة إلى أعداد أكبر من المستخدمين.

من الواضح أن الضغوط تتزايد على شركات التواصل الاجتماعي وعلى منصات الإنترنت عموما وبقدر ما يحمل هذا من ضغوط، فإنه يحمل أيضا فرصا للاستثمار، فقطاع التحقق من الهوية الرقمية وتطويرها سينمو بسرعة مع وجود مثل هذه التشريعات الجديدة، ومع كل تطور، فإن مسألة حماية الأطفال في الإنترنت ستظل محل تساؤل ونقاش طويل، وقد يظل الإشراف الأبوي هو الحل الوحيد.

إنشرها