Author

هل يستسلم بنك اليابان؟

|

هناك أهمية بالغة لمتابعة التطورات في السياسة النقدية لبنك اليابان المركزي، ليس أقلها كون اليابان أحد أهم الشركاء التجاريين للسعودية، وهذه الأيام تواجه بنك اليابان تحديات كبيرة لسياسته المعلنة بخصوص الإبقاء على معدلات فائدة متدنية، ومجابهة تصاعد معدلات الفائدة على السندات الحكومية، استجابة للتصاعدات الحادة في وتيرة التضخم. هل ستتغير سياسة البنك أخيرا والإعلان عن التخلي عن سياسة السيطرة على منحنى عائد السندات، وبالتالي ارتفاع معدلات الفائدة اليابانية أسوة ببقية الدول؟
حجم الشراكة التجارية مع اليابان يتضح من حجم الصادرات السعودية إلى اليابان، التي تجعل اليابان في الأغلب في المركز الثاني بعد الصين، حيث بلغت الصادرات بحسب الهيئة العامة للإحصاء في الربع الثالث من 2022 نحو 40 مليار ريال، فيما بلغت واردات المملكة من اليابان في الربع ذاته 5.5 مليار ريال، نحو 64 في المائة منها مركبات ووسائل نقل، ونحو 16 في المائة أجهزة إلكترونية.
مصدر التحدي لبنك اليابان يعود إلى حاجة البنك إلى الاستمرار في الحفاظ على مستويات معدلات فائدة متدنية من أجل إنعاش الاقتصاد الياباني والتخفيف من تكاليف صيانة الدين الحكومي، وفي الوقت نفسه القيام بذلك رغم تصاعد وتيرة التضخم في اليابان وارتفاع معدلات الفائدة حول العالم.

وسجلت معدلات التضخم في اليابان 4 في المائة لشهر ديسمبر 2022، وبذلك يكون أعلى نسبة تضخم منذ نحو 40 عاما.
مشكلة إبقاء أسعار الفائدة بهذا الشكل المخيف أنها تجعل السندات الحكومية، وغيرها من أدوات الدين الثابت، غير مجدية للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد مالية تغطي تأثير التضخم في رؤوس أموالهم.

ولذا نجد سوق السندات الحكومية قليلة النشاط ومتدنية السيولة بسبب سياسة البنك للسيطرة على معدلات الفائدة.

هذا الأسبوع لم يتمكن البنك من العثور على بائعين للسندات الحكومية قصيرة المدى بالعائد المقر من البنك وأعلن فشل عملية الشراء التي بها يهدف البنك إلى خفض معدلات الفائدة لعام وعامين وثلاثة أعوام.

أما السندات العشرية فالبنك مستمر في شرائها، حيث استطاع قبل أيام شراء سندات بنحو 78 مليار دولار، إلا أن ذلك لم يساعد كثيرا في وقف ارتفاع الفائدة التي تجاوزت الحد المعلن من البنك، التي أقرها قبل شهر، حيث سمح للفائدة على الأعوام العشرية أن تتحرك إلى الأعلى بمقدار نصف نقطة مئوية، أي أعلى من السياسة السابقة المحددة لحركة العائد بربع نقطة مئوية فقط.
حين تم إعلان تغيير سياسة البنك الشهر الماضي أحدث الخبر ربكة كبيرة في الأسواق كون لم يتوقع أحد أن يتخلى البنك عن سياسة الفائدة المتدنية بهذا الشكل المفاجئ، إلا أن هناك من يعتقد أن إعلان ديسمبر كان مجرد اختبار لردة فعل الأسواق وأن البنك سيستمر في رفع معدلات الفائدة. ولا تزال الفائدة التي يمنحها البنك للبنوك التجارية على الاحتياطيات محددة بمقدار سالب 0.1 في المائة، ما يعني أن بنك اليابان لا يشجع البنوك التجارية على ترك ما لديها من احتياطيات لدى "المركزي"، بل يريدها أن تقوم باستخدامها في الإقراض للأفراد والشركات.
تحركات بنك اليابان ومحاولة الصمود في سياساته النقدية لا تصدقها الأسواق، حيث يتم تداول السندات الحكومية بمعدلات فائدة أعلى من الإطار المحدد من قبل البنك، متجاوزة حد 0.5 في المائة بأربع نقاط أساس قبل أيام.

هناك مضاربون كبار وصناديق تحوط من داخل اليابان وخارجه يقومون ببيع السندات الحكومية على المكشوف كمراهنة على انخفاض أسعارها قريبا، وبالتالي يحققون مكاسب مالية كبيرة.

كما أن التحسن الكبير في قوة الين من مستويات 151 ينا للدولار إلى 128 ينا حاليا لهو دليل آخر على مراهنة أسواق الفوركس على أن معدلات الفائدة سترتفع، وبالتالي سيرتفع الين معها.
لا شك أن بنك اليابان لديه ما يكفي من الذخيرة للدفاع عن معدلات الفائدة المتدنية، حيث يتمتع باحتياطيات أجنبية بنحو 1.33 تريليون دولار، على الرغم من أن في ذلك مخاطرة وتبديدا لاحتياطيات البنك، ولذا فالتوقعات ألا يستمر البنك في سياسته العنيدة، وقد يعلن استسلامه قريبا.
هذه التطورات وما ستؤول إليه خلال الأيام القليلة المقبلة سيكون لها تأثيرات في الواردات السعودية من اليابان، التي سترتفع أسعارها في حال ارتفعت معدلات الفائدة اليابانية.

جدير بالذكر أنه على الرغم من كون حجم الواردات من اليابان في الربع الثالث 5.5 مليار ريال، إلا أن هناك ربما واردات يابانية إضافية تأتي عن طريق دول أخرى، وبالتالي ربما أن جزءا من الواردات البالغة 12 مليار ريال من الإمارات في الربع الثالث قد تكون يابانية المصدر.

إنشرها