إنقاذ النمو الاقتصادي في الدول النامية المثقلة بالديون «1من 2»

قد يكون عامنا هذا مدمرا للعالـم النامي، حيث تجد أعداد متزايدة من الدول نفسها وقد اجتاحتها أزمات الديون. عديد من هذه الدول "لبنان، سريلانكا، روسيا، سورينام، وزامبيا" تخلفت بالفعل عن سداد ديونها، وأصبحت عشرات أخرى في احتياج ماس إلى تخفيف أعباء الديون لكي يتسنى لها تفادي الانهيار الاقتصادي والارتفاعات الحادة في معدلات الفقر.
تتمثل الاستجابة السائدة لأزمات الديون في التفاوض على حـزم معقدة تشمل البلد المدين، والمؤسسات المالية الدولية، وغيرها من الدائنين الخارجيين. وتشارك في الأمر جهات أخرى تسعى إلى حماية مصالحها، مثل حاملي السندات المحليين، والنقابات العمالية. قد تكون عملية المساومة بين كل هذه الأطراف طويلة وقد تنطوي على جهود محلية وعالمية للتأثير في النتيجة من خلال الإلقاء بقدر أكبر من أعباء الخسائر على كاهل آخرين، حتى في حين يستمر تدهور الأوضاع في الدول المدينة.
أضاف ظهور الأسواق الناشئة باعتبارها جهات دائنة ثنائية رسمية مزيدا من التعقيد لعملية صعبة بالفعل. لم تكن الصين، والهند، ودول الشرق الأوسط، وغيرها جزءا من ترتيبات تسوية الدين التقليدية. إلى جانب تعقيد عمليات التنسيق، من الممكن أن يؤدي عدم التجانس بين الجهات الدائنة إلى إطلاق العنان لعمليات أشد تدميرا تقودها توقعات ذاتية التحقق، مثل الانعكاس المفاجئ في اتجاه تدفقات رأس المال والأزمات المصرفية.
المفتاح لجعل اتفاقات الديون أكثر إقناعا لجميع الأطراف هو أن تكون مصممة على النحو الذي يساعد على فتح فرص النمو.
وسيعمل احتمال تحقيق مكاسب كبيرة بالقدر الكافي على اجتذاب كل الأطراف إلى طاولة التفاوض، حيث يمكنهم تقاسم الفوائد التي ستطلقها مثل هذه الحزمة.
الواقع أن تسوية الديون على نحو معزز للنمو يتطلب صفقة ثلاثية الجوانب. لن يتسنى للحكومات المدينة الاستثمار في فرص النمو وخفض النفقات غير المنتجة وغير الفاعلة إلا من خلال توفير موارد إضافية. ولا تستطيع المؤسسات المالية الدولية تقديم القروض بأمان إلا إذا وافق الدائنون الحاليون على خفض الدين "وخدمة الدين". بدورهم لن يوافق الدائنون الحاليون على تخفيف الديون إلا إذا كان بوسع المؤسسات المالية الدولية تطبيق شروط فاعلة لضمان حفاظ الحكومات المدينة على سياسات النمو اللائقة. ومع اقتراب موجة جديدة من إعادة التفاوض على الديون، يجب تحديث وتكييف بعض عناصر مثل هذه الصفقات الكبرى بما يتفق مع الحقائق العالمية الجديدة.
تتعلق إحدى القضايا الرئيسة بطبيعة فرص النمو. ربما تسببت التطورات الأخيرة، مثل انحسار العولمة، وجهود إزالة الكربون، وزوال نموذج النمو القائم على التصدير، في تدني إمكانات النمو في الدول المنخفضة الدخل. وهذا يعني أن مساومات خفض الديون ينبغي ألا تبالغ في تقدير دور النمو في المستقبل، وأن تكلفة فرص النمو الضائعة يجب أن تكون تخفيضات أعمق للديون. لكن على القدر ذاته من الأهمية، سيكون النمو في المستقبل أقل كثيرا في غياب استثمارات جديدة قادرة على تكييف مسار النمو مع الحقائق الجديدة.
إذا تلقت فرص النمو الجديدة تمويلا جديدا وأصبحت مربحة، فمن الممكن أن تعمل على تقليل الحاجة إلى خفض الديون، جزئيا على الأقل من خلال إبطال تأثير التراجع المرتبط بالتجارة في فرص النمو. تصبح هذه الفرص واحتياجات النمو أكثر وضوحا وأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالتحول الأخضر. الواقع أن تغير المناخ يلحق الضرر بآفاق النمو في الدول منخفضة الدخل خصوصا، ويرجع هذا جزئيا إلى موقعها الجغرافي، وجزئيا إلى تعرض سكان هذه الدول لقدر أكبر من المخاطر وعجزهم عن تخفيف مخاطر المناخ. يدور النمو الأخضر إلى حد كبير حول تنفيذ السياسات العامة اللازمة للتعويض عن هذه القوى السلبية. لكنه يدور أيضا حول الاستفادة من الفرص الجديدة... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي