Author

الشخصية الكمالية

|

خلق الله الناس على اختلاف كبير في شخصياتهم.. ويبقى مع ذلك للبيئة التي تمت النشأة فيها دور لا يستهان به في طبيعة الإنسان وشخصيته وتصرفاته، من نماذج الشخصيات الغريبة ما يعرف عند علماء النفس بالشخصية الكمالية، ويقصد بها أولئك الأشخاص الذين يسعون ويحرصون على تحقيق الكمالية Perfectionism في عديد من جوانب حياتهم، فتجدهم لا يقبلون أنصاف الحلول أو الخطأ أو الضعف في أمر يخصهم وكأنهم يتمثلون قول أبي فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
كلمة الكمالية في اللغة تعني التمام، أما الشخصية الكمالية، فهي سمة شخصية يسعى من خلالها الفرد إلى بلوغ الكمال ووضع معايير عالية جدا للأداء يصحبها تقييمات نقدية مبالغ فيها ومخاوف من تقييمات الغير. وللكمالية ثلاثة أبعاد، الأول، هو تلك الكمالية الموجهة من الذات، حيث يضع الفرد معايير عالية لنفسه. الثاني، هو الكمالية الموجهة نحو الآخرين ويتضمن وضع معايير عالية وعمل توقعات غير واقعية من جانب الشخص للآخرين، أما البعد الثالث فهو الكمالية المحددة والموجهة من المجتمع، ويتضمن اعتقاد الأفراد أن الآخرين لديهم توقعات عالية تجاههم. هناك نوع من الكمالية يسمى الكمالية الطبيعية ويقصد بها الإتقان بحيث يضع الإنسان لنفسه عددا من المعايير المتقدمة ويسعى لتحقيق أهدافه على ضوئها، ولكنه لا يرى بأسا من التخلي عن بعضها عند الحاجة، وهذه كمالية محمودة، "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". أما النوع الآخر والمسمى بالكمالية العصابية فهنا مكمن الخطر إذ لا يشعر من ينشد هذا النوع أنه قام بعمل جيد أبدا ولا يتقبل الخطأ ويتمادى في جلد ذاته، ولا يعرف سبب واضح لهذه الشخصية، وإنما يرى العلماء أنها سلوك مكتسب كان لنشأة الفرد والبيئة التي تربى فيها الدور الأكبر. إن أعظم مشكلة تواجه من ينشد الكمالية هي أنه لن يصل إليها أبدا لأن الكمال متعذر في حياة الإنسان، فهو كمخلوق بشري مجبول على الخطأ وإصراره على الوصول للكمال سيجعله يعيش حياة غير سعيدة وقد يصيبه القلق والاكتئاب. لعلاج الشخصية الكمالية يلزم أن يحدد الشخص أهدافا واقعية يسعى لتحقيقها، وأن يتجنب وصف نفسه بالفشل، وأن يرضى بالخطأ أحيانا ويحاول إصلاحه.. وليس من المعيب أن يلجأ الإنسان للعلاج السلوكي المعرفي إذا لزم الأمر.

إنشرها