Author

التضخم أم التجارة العالمية؟

|

بعد موجة حادة من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة، صدر قانون خفض التضخم على أساس أن ذلك القانون سيخفض التكاليف على الأسر الأمريكية.
 وجاء القانون تدخلا من الحكومة لتوجيه الاقتصاد، ليس من خلال تحديد أسقف في الأسعار، بل من خلال منح الصناعة إعفاءات ضريبية واسعة تمكن من تحقيق وفر للمستهلك النهائي، وتشجيعا غير محدود للمستهلك الذي يستطيع من خلال تغيير تفضيلاته في الاستهلاك تحقيق وفر في مصروفاته.
الحقيقة أن هذا النظام عبارة عن خطة مدتها عشرة أعوام، من خلاله تعمل الولايات المتحدة على محاربة أزمة المناخ، وتقليل العجز، ومطالبة أكبر الشركات بدفع نصيبها العادل.
 يركز القانون الجديد على خفض تكلفة الأدوية الموصوفة، وكذلك الإصلاحات في جانب التأمين الطبي من أجل تخفيض تكاليف الرعاية الصحية، كما يتضمن آليات خفض تكاليف الطاقة من خلال منح الأسر التي تستفيد من الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية قدرة على التوفير، مع خصم مباشر للمستهلك عند شراء مضخات حرارية أو غيرها من الأجهزة المنزلية الموفرة للطاقة، مع العمل على تزويد المنازل والشركات والمجتمعات بالطاقة النظيفة بحلول 2030 من خلال التوسع في بناء اللوحات الشمسية، وتوربينات الرياح، ومن المتوقع أن يحقق هذا القانون خفضا في العجز بأكثر من 1.5 تريليون دولار.
 هكذا يبدو القانون كأنه الجنة الاقتصادية للأسر الأمريكية، والحل المنتظر للعجز الأمريكي الضخم. ويشير موقع IRS إلى بعض ملامحه التي تضمنت أن يتوافر ائتمان ضريبي بشكل عام للمركبات الكهربائية المؤهلة التي تم التجميع النهائي لها في أمريكا الشمالية وذلك حسب متطلبات التجميع النهائي، وأن بعض المركبات في قائمة وزارة الطاقة لا تلبي متطلبات التجميع النهائي في جميع الظروف.
هذه الإعفاءات والتوجهات الجديدة تشكل عنصرا أساسيا مهما في بنية الاقتصاد الأمريكي، وتسهم بطريقة غير مباشرة في خفض التضخم فعلا. وأشار وزير المالية الفرنسي إلى خطوات مشابهة لذلك بوضع سقف سعري لأسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وأشاد بهذه الخطوة مؤكدا أنه لا يتوقع ارتفاع معدل التضخم، بسبب تلك الإجراءات، بل أشار إلى أن الحكومة تدرس اتخاذ تدابير إضافية لمساعدة سائقي السيارات على التعامل مع ارتفاع أسعار وقود السيارات. فمن حيث المبدأ يتفق الجميع على أن مكافحة التضخم لن تؤتي ثمارها بمجرد رفع أسعار الفائدة، بل لا بد من تدخل حكومي للدعم وتحديد الأسعار. والسعودية سبقت كل هذه الدول بشأن دور تحديد أسعار وقود السيارات في السيطرة على التضخم مع صدور التوجيه الملكي باعتماد أن أسعار البنزين لشهر يونيو 2021، بنزين (أوكتان 91 / 2.18)، وبنزين (أوكتان 95 / 2.33 ريال)؛ سقف السعر المحلي للبنزين اعتبارا من 10 تموز (يوليو) 2021. 
ورغم هذا الاتفاق الواضح بيد أن قانون خفض التضخم الأمريكي لم يجد صدى جيدا لدى الشركاء الأوروبيين، حيث يرون أن حزمة الدعم الهائلة التي تهدف إلى حماية المصنعين الأمريكيين في "قانون خفض التضخم" قد توجه ضربة قاتلة لصناعاتهم التي تعاني بالفعل في ظل ارتفاع أسعار الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وقال وزير المالية الفرنسي إن باريس ربما تحاول التفاوض على بعض الإعفاءات من الرسوم والقيود الواردة في القانون الأمريكي لمكافحة التضخم. وتشير بعض وكالات الأنباء إلى أن الاتحاد الأوروبي أدرج تسعة من أحكام الائتمان الضريبي التي تتطلب حلا تفاوضيا، لكن الأكثر قلقا جاء من جانب وجود حواجز تجارية جديدة محتملة على منتجي السيارات الكهربائية الأوروبية، وبهذا الخصوص تشير مديرة منظمة التجارة العالمية إلى أن البلدان بحاجة إلى الحرص على إيجاد سياسات لا تكون تمييزية وتحابي السلع المحلية.
 وبحسب وزير المالية الفرنسي فإن "السؤال الحقيقي الذي يتعين أن نوجهه لأنفسنا: ما نوع العولمة التي تنتظرنا؟". هكذا تبدو الصورة فبينما القانون جيد من حيث المبدأ بشأن تعزيز صناعة السيارات الكهربائية فإنه من جانب آخر يهدد التجارة العالمية المهددة أصلا. وقد ألمح الوزير الفرنسي إلى ذلك صراحة عندما قال إن الصين تفضل الإنتاج الصيني، وأمريكا تفضل الإنتاج الأمريكي، وحان الوقت لتفضل أوروبا الإنتاج الأوروبي. ومع تصريح بهذا الشكل من مسؤول رفيع لدولة مهمة في الاتحاد الأوروبي فإن التجارة العالمية تقف اليوم عند مفترق طرق، بل على مبدأ أكون أو لا أكون.

إنشرها