Author

ماذا لو تزعمت الصين العالم؟

|
التنافس بين الدول، إن لم نقل الصراع على النفوذ العالمي، يأخذ صورا عدة، منها: التنافس الاقتصادي، والعسكري، والمالي، والتجاري، والتقني، والثقافي. وما من شك أن أمريكا في الوقت الراهن تتزعم العالم، بل تفرض هيمنتها، وبصورة فجة في كثير من الأحيان، بما لا يتناسب مع القيم التي يفترض أن تكون أساسا لتنظيم العلاقات بين الدول. وبمراجعة التاريخ الأمريكي بداية من التأسيس وإبادة الهنود الحمر، وحرب الكوريتين، وفيتنام، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي سابقا، وكذا ضغطها على أوروبا لدرجة الإضرار بمصالح الدول الأوروبية الاقتصادية والسياسية. وهذا ما نشهده في الوقت الراهن، خاصة بعد بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى تدبير الانقلابات في بعض الدول، وشن الحروب لاحتلال الدول، كما في أفغانستان والعراق.
الخشية من صعود دول منافسة جعل أمريكا تتصرف بصورة لا تليق بمن يفترض فيه قيادة العالم بصورة حضارية تراعي مصالح الآخرين، وتحترم قيمهم وأنظمتهم وسيادة دولهم.
بروز قوى منافسة لأمريكا على الساحة الدولية في الاقتصاد، وإنتاج السلاح، والتقنية المتطورة، أصبح هاجس رعب لها تسعى إلى حشد العالم وراءها لمعاداة الصين بهدف إعاقة نموها، لذا جعلت من قضية تايوان قضيتها الأولى، وحركت دبلوماسيتها، ومسؤوليها لزيارة تايوان، واستخدمت سلاح العقوبات على الشركات الصينية، والشركات والدول المتعاملة معها، كما حدث مع شركة هواوي، لإعاقة نموها، ومن أجل استمرار نفوذها وهيمنتها، في تجاهل تام لمصالح الآخرين.
أسئلة استراتيجية لا بد من طرحها والبحث عن إجابات لها: هل تفوق الصين وريادتها للعالم - إن حدث - سيجعلها تتصرف كما تتصرف أمريكا في إدارتها العالم في الوقت الراهن؟ وهل التفوق المتوقع سيحدث في القريب العاجل؟ وماذا أعددنا لتلك الحقبة؟ وهل سيكون العالم متعدد الأقطاب أم أحادي القطب؟ الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تستوجب أن نستحضر مجموعة من الحقائق بعضها تاريخي مرتبط بالأمم السابقة في تاريخ البشرية، فالروم والفرس كانوا يتنازعون السيادة على العالم، وإخضاع الأمم الأخرى إلى هيمنتهم بمن فيهم أمة العرب. وكأني بالتسيد نزعة فطرية مغروسة في جينات البشر، وأبسط مثال على ذلك، سلوك مدير شركة أو إدارة حين يحول مرؤوسيه إلى ما يشبه الملك الخاص به، يوجههم بما يريد حتى لو تعارض ذلك مع الأنظمة.
الحقيقة السابقة يمكن الرد عليها بأن واقع حال العالم مختلف عما كان عليه في السابق، فشعوب العالم ودوله أصبحت أكثر تحضرا ووعيا، وهذا يؤهلها لرفض الهيمنة الصينية المفترضة، ويؤيد هذا تململ دول وشعوب العالم من الهيمنة الأمريكية، ورفضهم ذلك، كما في المظاهرات التي تشهدها أوروبا، وتصريح ونقد الساسة لأفعال وسياسات أمريكا.
أدوات أمريكا في فرض الهيمنة ليست محصورة في امتلاك صناعة السلاح، ولا الاقتصاد القوي، ولا النظام المالي الذي ينتهي ببنوكها، ولا حق النقض في مجلس الأمن، ولا المنتجات التقنية بصورتها المادية فقط، وإنما يضاف إلى ذلك المنتجات الثقافية ممثلة في الأفلام، والبرامج، ذات الطابع الفكري والقيمي التي اجتاحت العالم من خلال الإعلام، وبرامج الذكاء الاصطناعي الذي جعل من نموذج الحياة الأمريكية هدفا يسعى إلى الأخذ به كثير من الشعوب لقوة تأثيره في العقول، سواء في نمط التفكير، أو اللباس، أو الطعام، أو طريقة الحديث، أو المظهر العام، حتى تحول بعضهم إلى صورة مصغرة للثقافة الأمريكية. وربما يفسر ذلك من خلال ميل الضعيف لتقليد القوي، وما يلاحظ أن الصين في الوقت الراهن لم تسع إلى نشر برامجها الثقافية، وإن حدث، فربما عدم إلمامنا باللغة الصينية حال دون اطلاعنا على ذلك، كما أن الثقافة الشرقية تميل إلى التواضع مقارنة بالغرب ذي النزعة الفوقية والغطرسة.
لا يمكن الجزم بإمكانية تزعم الصين العالم، ولا تفردها في ذلك في الوقت القريب، فإمكانية بروز دول أخرى أمر محتمل، والمملكة مؤهلة لذلك لما تمتلكه من إرادة وشعب تغلب عليه شريحة الشباب، إضافة إلى الإمكانات المادية الهائلة، ومؤسسات التعليم العالي المؤهلة لإنتاج المعرفة وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على تحمل مسؤوليات مستقبل الوطن والعالم وفق قيم ومعايير العدل والكرامة البشرية التي رسخها الإسلام «ولقد كرمنا بني آدم».
الإعداد لتلك المرحلة يستوجب تحويل ريادة العالم إلى هدف نسعى إليه، ولتحقيق الهدف يلزم إيجاد البرامج التي توجد الأفعال من خلال المؤسسات الحكومية والخاصة، وكذا إيجاد البنية التنظيمية والقانونية التي تسهل نقل التقنية بدلا من إدمان استيرادها بأغلى الأثمان.
إنشرها