Author

لماذا يبتعد العالم عن أسعار لندن؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

محاولات الاهتمام بسلامة النظام المالي العالمي ليست وليدة اللحظة، لكن ما حدث في أزمة الرهن العقاري التي ظهرت في 2007 وتحولت في 2008 إلى أزمة مالية شكلت أزمات ناشئة أخرى، ونواة لأزمات لم يخرج منها العالم حتى اليوم، ونظرا إلى خطورة أسعار الفائدة على الاقتصاد العالمي وما لحق بالاقتصاد الأمريكي والبريطاني والاقتصادات الرئيسة من خسائر، كان لا بد من تغيير أشهر معيار لأسعار الفائدة العالمية وهو سعر لندن للفائدة ويشار إليه بـ"الليبور LIBOR"، حيث تستخدمه البنوك العالمية في عمليات إقراض بعضها، كسعر مرجعي واسترشادي وبناء عليه يتم تقدير تكلفة القروض الاستهلاكية والتجارية والمشتقات المالية. ويعد "الليبور" المعيار العالمي الأكثر شعبية لأسعار الفائدة قصيرة الأجل.
يرجع السبب في تغيير "الليبور" كمرجع لمعدل الفائدة السائدة في الأسواق، إلى اكتشاف سر إضافي من أسرار الأزمة المالية العالمية 2008، سهولة التلاعب بتقديرات أسعار الفائدة لأشهر معيار عالمي "الليبور"، وأنه يعتمد على تقديرات وآراء الخبراء ولجنة البنوك الكبرى المشاركة في تقديم عروض أسعارها، كما أن عينة المعاملات المالية المستخدمة في تقدير أسعار الفائدة محدودة، أي أن سعر لندن للفائدة يقدر وفق ما تراه البنوك المشاركة وتقديراتها وتكهناتها وليس ما يعكسه واقع الأسواق الحقيقية.
الاتجاه العالمي الجديد هو استبدال "الليبور" تدريجيا بأسعار مرجعية أخرى، وتعرف حاليا بمنهجية "السعر الخالي من المخاطر ARR"، وهذا المعيار الجديد يعتمد على المعاملات الفعلية ويمكن ملاحظتها عند تحديد سعر الفائدة وليس على التكهنات أو ما تقدمه البنوك من عروض عند تقدير سعر الفائدة، إضافة إلى عينات واسعة من المعاملات المالية كما سيكون لكل دولة طريقة خاصة في احتساب المعدل بدلا من الأسلوب المركزي السابق في لندن.
من الناحية الاقتصادية، لهذه التحولات أهمية في تقارب الاقتصاد الحقيقي مع اقتصاد البورصات وأسعار الفائدة، وسنرى أن أسعار الفائدة سيستخدمها صناع السياسات الاقتصادية بطريقة أفضل من السابق، ولا سيما للدول التي تستقل عملتها عن الدولار، أي غير مرتبطة به، كما أنه سيمنح الأسوق حركة أكبر في تقدير معدلات النمو الداخلي، ولا سيما التي لديها محفزات اقتصادية حقيقية أو جاذبية مرتفعة من الاستثمار الأجنبي، وستظل التقديرات متباينة بسبب اختلاف الظروف الاقتصادية لكل بلد، وعلى الرغم من ذلك، الواقع العملي لن يكون سهلا على البنوك المركزية للاستفادة من الانعكاسات الإيجابية، لهذا ستعتمد البنوك التجارية والمركزية على SOFR وهو المنافس الحقيقي الليبور للعقود الدولارية، وهو مقياس لتكلفة الاقتراض لليلة واحدة بضمان سندات الخزنة الأمريكية ويعتمد على قياس التعاملات الحقيقية Transaction based من الواقع الاقتصادي، وهذا يقطع طريق التلاعب بمعدلات الفائدة ويرفع من الشفافية، كما أن هناك بدائل مرجعية أخرى للعملات الرئيسة الأخرى SONIA للجنيه الاسترليني، وESTR لليورو، وTONAR للين الياباني، وSARON لفرانك سويسرا، وجميعها تعكس أسعار الفائدة كسعر مرجعي بديل لـ "الليبور".

إنشرها