عيب عليك
العيب كما هو متعارف عليه في اللغة هو الوصمة، والنقيصة، والشائبة، والمذمة، أي أن مفهوم العيب يدور حول وجود خلل عظيم واعوجاج كبير يجب إصلاحه وعدم السكوت عنه، نظرا إلى المفاسد التي قد تنشأ عنه، أما اجتماعيا فهو السلوك الشائن الذي يشير إلى أن صاحبه سلك مسلكا منحرفا عن عرف المجتمع المحيط به، لكن يخضع العيب المجتمعي في بعض الأحيان إلى تقديراتنا الشخصية، فليس كل عيب تراه أنت عظيما قد أراه أنا كذلك والعكس صحيح، وقد لا يتوانى البعض عن إطلاق الحكم على شخص ما بأنه ارتكب عيبا عظيما فقط، لأن ما قام بفعله لا يتناسب مع الأفكار التي يؤمن بها المنتقد، لكن أتدرون أن المضحك المبكي هو تحول هذا العيب إلى حرية شخصية، ما أن يقوم هذا المنتقد بتطبيقه على نفسه أو أحد أفراد أسرته.
أذكر إحداهن كانت تقول فلانة "عيب عليها" تتباهى أن زوجها يساعدها على شؤون المنزل ويغسل معها الملابس والأواني، ويساعدها على الكنس وتحضير الوجبات اليومية، ولا تتوانى عن وصف زوج تلك المرأة بـ"الخبل الذي يخاف من حرمته"، لكن بمجرد ما تزوجت إحدى بناتها ورزقها الله بالمواصفات نفسها لهذا الزوج، فإن الأمر هنا تغير جذريا وما كان عيبا في نظرها تحول إلى واجب الزوج في دعم زوجته ومساندتها، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإنني أتذكر إحداهن كانت تنتقد بشدة حجاب زميلتها وتصفها بقلة الحشمة وتغتابها في "الطالعة والنازلة"، وأنه عيب عليها عدم تغطية وجهها أو أنها تنتقب على الأقل، ثم أفاجأ يوما ما في أحد "المولات" بوجود هذه المرأة وبناتها وهن كاشفات الوجه والشعر، كان الأمر أريحيا بالنسبة إليها وخلال حديثنا فهمت منها أنها تعد الأمر حرية شخصية والأهم الأخلاق!
العيب المجتمعي لا علاقة له بالعرف والدين والأخلاق بل هو يخضع إلى أفكارنا الشخصية، التي تعده نقيصة ومذمة حين يفعله الآخرون ثم يتحول إلى حرية شخصية حين نقوم نحن به، لم أر شخصا عاب على شخص آخر إلا ودارت الأيام وقام هو أو فرد من أسرته بفعل هذا الفعل، هناك فرق شاسع بين أن تنصح الآخرين بحب وصدق وبين أن تعيب عليهم بشماتة وسخرية وتغتابهم في كل زمان ومكان.
وخزة:
"حتى لو كنت ترى أن الآخر في نظرك مذنب واقترف خطيئة فليس من حقك أن تعيب عليه أو تغتابه أو تجعل منه فاكهة لمجلسك تلوك أخلاقه وعرضه في حلقك بلا مبالاة، ألا يكفي لهؤلاء رادع قول الحبيب عليه الصلاة والسلام (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)".