أوراق التقويم

أصبحت الأيام تنقضي بسرعة البرق ولا نكاد نشعر بها، والشهور تجري سراعا نحو تتويج عام تلو الآخر، وساعات اليوم تمرق مثل السهم حين يمرق من القوس، ورغم ذلك يهرع البعض كل يوم نحو أوراق التقويم ليمزق ورقة الأمس ويسعد بحلول يوم جديد، دون أن يدركوا أنها تنصرم من مخزون أعمارهم. البعض يبرر لهفته على تسارع الأيام بسبب ديون يرغب في انقضائها وطال عليه الأمد، فهو يفرح حين يمر شهر تلو الآخر وعام تلو الآخر حتى ينتهى من هم الديون التي أثقلت كاهله ومنعته من السفر والترفيه وكماليات الحياة، أو يمني نفسه بتسارع الأيام بسبب أعوام دراسة صعبة أثقلت عقله بالمذاكرة والاختبارات والتحصيل، فهو يحلم بمرورها سريعا حتى يصل إلى تلك اللحظة التي يتسلم فيها شهادة تخرجه، والبعض يرى أن تسارع الأيام في مصلحته حتى يرى نتائج مشروعه التجاري الذي كدح عليه فترة طويلة، ليكون ثروة مالية يرتكز عليها في الأيام الصعبة وشدائد الزمن، وآخر يسعد بتسارع الأيام ليشهد لحظة زفافه بمحبوبته وآخر يريدها أن تتسارع ليسكن منزله الذي استهلك جهده وراحته..!
ووسط كل ذلك الصخب والاحتفال بتسارع الأيام وانقضائها العجيب نتناسى أنها تقربنا نحو نهاية أعمارنا وتسحب رصيدنا الزمني الذي قدره الله لنا في هذه الدنيا، ونتجاهل أن كل ورقة تقويم نحتفل بانقضائها يوميا إنما هي فرصة ضائعة لم نستثمرها جيدا في أعمال كثيرة، كان من الممكن أن نرى عوائدها المدهشة تمطرنا فرحا وبهجة ورضا واستمتاعا وقناعة وامتنانا، في رحلة انقضاء الأيام المتسارعة نتجاهل احتياجنا إلى لحظات سعيدة وأوقات ممتعة وصحبة طيبة تخفف من ملاحقتنا للأيام واحتفالنا بتسارعها حتى نصل إلى تلك اللحظة السحرية التي توصلنا إلى ما كنا نحلم به، ما فائدة أن تحتفل بانقضاء ديونك أو تسكن منزلك الخاص أو ترتبط بمحبوبتك أو تحصل على شهادتك أو تكون ثروتك، دون أن تدرك أن الأمر لم يكن يخصك وحدك، وإنما كان هناك من بذل واجتهد وساند ودعم وأنك طوال هذا الوقت كنت تتجاهلهم وغير عابئ بوجودهم، لأنك فقط كنت تركز على تسارع الأيام وورقة التقويم التي تتلهف على تمزيقها يوميا.
وخزة:
الذي يركز فقط على لحظة الوصول مثل المسافر بالقطار الذي لا يلتفت يمنة ولا يسرة ولا يستمتع بالمناظر ولا يحظى برفقة من حوله، وإنما عيناه معلقتان بساعة أمامه ينتظر انقضاء دقائقها ليصل إلى وجهته، متجاهلا أن الفرق بينه وبين المسافرين الآخرين أنهم ضحكوا واستمتعوا بالرفقة والمناظر وعقدوا صداقات وفي النهاية كلهم سيصلون في التوقيت نفسه!

المزيد من مقالات الرأي