فهم آراء المستهلكين والسيطرة على التضخم «4»
من المشجع أنه رغم إدراك البنوك المركزية منذ وقت طويل مدى تأثير بياناتها المعدة بدقة في توجيه توقعات السوق، يبدو أنها تركز الآن بشكل أكبر على جعل بياناتها مفهومة لعدد أكبر من الجمهور. فعلى سبيل المثال، توضح دراسة "2021" Gardt and others أنه في إطار استراتيجية أوسع نطاقا لتوسيع نطاق رسائله، قام البنك المركزي الأوروبي في الأعوام الأخيرة بزيادة وجوده عبر منصات التواصل الاجتماعي، واستخدم لغة أبسط في الخطابات وبيانات السياسة النقدية.
وتعرض نتائج دراستنا أيضا بعض الإرشادات التجريبية في اتجاه مختلف، وإن كان ذا صلة. تعتمد نماذج الاقتصاد الكلي التقليدية اعتمادا أساسيا على افتراض "التوقعات المنطقية"، الذي بموجبه تبني الأسر قراراتها الفردية ـ المتعلقة بمقدار ما تدخره وتستهلكه وتعمله ـ على توقعات عن حالة الاقتصاد في المستقبل المحفوف بعدم اليقين. وتتسق هذه التوقعات بدورها مع الطريقة التي يتطور بها الاقتصاد في نهاية المطاف. ولا يعني هذا الافتراض أن الأسر لديها معرفة كاملة بالمستقبل. لكنه يعني أنه إذا رأت الأسر أن البنك المركزي يرفع أسعار الفائدة بشكل غير متوقع، ورأت أن ذلك سيؤدي إلى خفض التضخم، فإن أفعالهم اللاحقة ستؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض التضخم. ورغم أن هذا المنهج لإعداد نماذج التوقعات في الأغلب ما تم انتقاده باعتباره منهجا صارما أو غير واقعي للغاية، فإن تحديد الطريقة الملائمة للتوقف عن اتباعه ليس بالأمر السهل. حتى يكون الأمر مجديا، فإن أي توقف عن استخدام هذه الركيزة التي يستند إليها علم الاقتصاد الكلي الحديث، يجب أن يعكس بشكل واقعي كيف تشكل الأسر توقعاتها بالفعل. وبالتالي تعرض دراستنا اتجاها مبدئيا لإدراج الجوانب السلوكية لتوقعات الأسر التي تستند إلى أدلة تجريبية في نماذج الاقتصاد الكلي.
وهناك جهود بحثية متنامية ـ يقودها أكاديميون بارزون في هذا المجال ـ تهدف إلى استخدام رؤى من الاقتصاد السلوكي لإدراج السمات السلوكية للطريقة التي تشكل بها الأسر توقعاتها في نماذج الاقتصاد الكلي والتوقف عن استخدام افتراضات التوقعات المنطقية التقليدية. وهذا المجال، المعروف باسم الاقتصاد الكلي السلوكي، يتسع نطاقه بسرعة، لكنه يواجه بعض التحديات الكبيرة. فهو يقوم على الاستخدام الكثيف للرياضيات، ما قد يحد من استخدامه على الفور في أعمال السياسة اليومية. كذلك فإنه يعتمد بشكل أساس على وجود أدلة تجريبية على رأي الأسر في الاقتصاد الكلي وكيفية تشكيل التوقعات، التي لا يستطيع خبراء الاقتصاد السلوكي بناءها على أساس صلب إلا من خلال دراسات عديدة ودقيقة. ومع ذلك، يمكن أن يؤثر بشكل جوهري في الاقتصاد الكلي النظري وصنع السياسات في العالم الحقيقي في الأعوام المقبلة، ومن المرجح أن يكشف عن دور أساس للإفصاح عن التأثير في التوقعات.