Author

كماشة الدولار القوي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يشهد الدولار نموا متسارعا في قيمته وعندما تتراجع قيمة عملة دولة ما مقابل الدولار، فإن أسعار الواردات، أي تلك السلع التي يتم شراؤها من السوق الدولية بالدولار، سترتفع سواء كانت سلعا كاملة التصنيع أو مواد خام للإنتاج الداخلي، والدولار القوي بطبيعته يشعل الأسعار خارج أمريكا، ويهدد استقرار الدول النامية، وميزانيات الدول المثقلة بالديون الدولارية، كما أنه يضغط على معيشة شعوب الدول الفقيرة لارتفاع سعر فاتورة الغذاء والدواء المستورد.
دائما ما تحرص الدول المصدرة على أن يكون سعر صرفها منخفضا بهدف التنافسية وزيادة مبيعاتها على المستوى الدولي، وبما أن الدولار القوي يؤدي إلى تراجع العملات، فإنه يحقق ميزة نسبية للصادرات لكن بشكل مؤقت، لأن تلك الميزة لن تستمر طويلا، فالمواد الخام والمدخلات المسعرة بالدولار والمستوردة من الخارج، سترتفع في وقت لاحق بعد نفاد المخزون الوطني، وبذلك تفقد الشركات المصدرة الميزة التنافسية التي حققتها في المرة الأولى من تراجع العملة الوطنية أمام الدولار، وبذلك تصبح الشركات المصدرة والنمو الاقتصادي للدول في كماشة الدولار القوي.
وأيضا رفع "الفيدرالي الأمريكي" أسعاره بمعدلات تتخطى البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان والاقتصادات المتقدمة، من شأن هذه السياسة جعل السندات الأمريكية جاذبة للأموال، أي أن شراء الأصول في أمريكا سيزيد من قوة الدولار، وليس ذلك فحسب، بل إنه تاريخيا عندما يخاف المستثمرون يلجؤون إلى شراء الدولار في الأزمات، وزيادة الطلب على الدولار تعني تخلي مشترين عن عملات دولهم أو عملات غير الدولار، ما يشكل ضغطا على البنوك المركزية، ولا سيما الدول التي لا يوجد لديها غطاء كاف من النقد الأجنبي.
علاوة على ذلك تنامي سعر الدولار أمام العملات الأخرى يثبط النمو الاقتصادي في الدول الناشئة التي تعتمد على تدفقات الاستثمار الأجنبي، نتيجة لهجرة الأموال إلى الأصول الأمريكية، وفي الوقت نفسه سنرى ارتفاعا في تكلفة الاقتراض داخليا، ما يجعل الدولار القوي يرتبط بمجموعة واسعة من المشكلات المؤدية إلى انخفاض الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي في العالم، ويشير بعض الدراسات إلى أن ارتفاع قيمة الدولار 10 في المائة يتسبب في تراجع الناتج المحلي الحقيقي 1.5 في المائة لمعظم الاقتصادات الناشئة.
وبالنسبة إلى الدول التي تمتلك مخزونا مرتفعا من المدخلات الصناعية أو لديها تكامل إنتاجي يولد مدخلات صناعية أو زراعية محلية سيؤدي إلى زيادة صادراتها، إذا ما كانت بلدا منتجا، كما أن الدول النفطية لن تعاني أي عجز في ميزانياتها العامة، لكن ستقع عليها مسؤولية مساعدة القطاع الخاص غير النفطي، والتشجيع على الاستثمار، ولا سيما مع ارتفاع تكاليف الاقتراض من البنوك التجارية.
في ختام القول، إذا كان صناع السياسات الاقتصادية في أمريكا يقودون حربا ضد التضخم، فإن اقتصادات العالم واقعة في كماشة الدولار القوي، ويتألمون من انخفاض عملاتهم الوطنية قسريا أمام الدولار، بما ذلك الدول الصناعية، باستثناء أمريكا نفسها.
إنشرها