Author

الاستثمار في فترات الركود «1 من 2»

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

هناك ركود في كثير من دول العالم، أي أن النمو الاقتصادي سجل نموا سلبيا لمدة ربعين متتاليين. وعلى الرغم من حدوث ذلك، أي الركود، إلا أن معظم الاقتصادات لم تعترف به. وجميع حالات الركود بعد 2020 كانت مدفوعة بعوامل جوهرية، مثل تباطؤ نمو الناتج المحلي أثناء أزمة كورونا، وما تلاها من اضطرابات جيوسياسية، إضافة إلى الضغوط التضخمية في جانبي الطاقة والغذاء، كما أن رفع سعر الفائدة الحاد أربك أسعار الصرف العالمية وميزان المدفوعات التجارية للدول، وضغط على ميزانيات الدول العمومية، خصوصا المثقلة بالديون. فالدول الواقعة في كماشة دفع أموال أكثر مقابل ديونها ستعاني مشكلات في المالية العامة، وخللا في أسعار السلع، وميزان المدفوعات، والتجارة الخارجية. مع الأسف، ظهرت بشكل واضح بعد رفع سعر الفائدة الحاد الذي هز أسعار الصرف، ورفع أسعار السلع في عدد من الدول الضعيفة اقتصاديا.
إن ما يتعين على المستثمرين معرفته أن الاقتصاد دوري بطبيعته بين حالتي انكماش وازدهار، بمعنى آخر: الركود جزء من الدورة الاقتصادية مهما كانت الأسباب التي أدت إلى ذلك، غير أن تحليل الأسباب يساعدنا على اتخاذ تدابير تدعم قرار الاستثمار، وبالتالي تعديل استراتيجية الاستثمار وفق الحالة الاقتصادية.
إذا كانت الحكومات المثقلة بالديون أول الخاسرين من الركود الاقتصادي، فالشركات المثقلة بالديون كذلك، وستعاني تكاليف خدمة الدين، وتراجع أسعارها في سوق الأسهم، ولن يصمد في المدى القصير من الانخفاض سوى الشركات الدفاعية، ونعني بالدفاعية شركات الخدمات والسلع التي يحتاج إليها المستهلك مهما كان الوضع الاقتصادي، مثل الطاقة والرعاية الصحية والأغذية والخدمات الأساسية.
فالركود من منظور اقتصادي ناتج عن تراجع معدلي الاستثمار والإنفاق معا، سواء بسبب ارتفاع تكاليف القروض أو ضعف إنفاق المستهلكين. لذا يتعين تجنب شراء أسهم الشركات المثقلة بالديون وشراء الشركات التي ينفق عليها المستهلكون أموالهم، دون أن نهمل مؤشرات الشركة المتعلقة بتاريخها في التوزيعات النقدية وحسن الإدارة التنفيذية، ويمكن معرفة جودة الشركة في فترات الركود من خلال صافي فرق التدفقات النقدية قبل الركود وفي أثنائه، ومدى توازن ديونها مقارنة بأصولها.
في المقابل، سيؤدي الركود إلى تراجع عام في أسعار الأصول مهما كانت جيدة، وهنا تأتي فرصة شراء أصول استراتيجية تباع بطريقة عشوائية من المستثمرين الأقل صبرا، أو الذين لديهم روافع مالية عالية، أي أن شراء أصول مالية أو غير مالية قادرة على الصعود سريعا بعد انتهاء فترة الركود يعد فرصة ذهبية، وغالبا هي أصول أقل من قيمتها العادلة تاريخيا، وغير مثقلة بالديون.
في نهاية المطاف، فترات الركود حالة اقتصادية طارئة، ودورة الهبوط والصعود الاقتصادي جزء من النظام الاقتصادي، ولا يمكن التنبؤ بها أو تقدير عمقها وشدتها. لذا التنوع الاستثماري، وترك مساحة كافية من النقد المتاح، وتبني استراتيجية استثمارية متحفظة تراعي الدورات الاقتصادية، كفيلة بأن تمنحك محفظة استثمارية كالمنشار، تأكل في الاتجاهين - إن صح التعبير... يتبع.
إنشرها