Author

نفسية المريض

|
توفي أخي رحمه الله بعد معاناة مرض السرطان، هذا المرض العجيب له مراحل ويتعافى منه أعداد متزايدة مع التقدم العلمي، لكنه يظل كابوسا مخيفا لكل الأسر التي تقع ضحية هذا المرض عندما يصيب أحد أفرادها. أذكر أن أخي كان متفائلا جدا لدرجة استغرب منها الأطباء، وكان أحدهم يردد عبارة كلما شاهده وهي، "المريض المبتسم"، وهو طبعه غفر الله له.
قبل ثلاثة أشهر من وفاته قال أحد الأطباء بصوت مسموع في الممر المجاور لغرفة أخي، إن حالته ميؤوس منها، تحولت الابتسامة فجأة إلى حالة من الحزن واستطاع المرض أن ينتصر في المرحلة الأخيرة من حياته. يقول أبناؤه إن هذه القشة غيرت مسار حياته وتعامله مع المرض، فرغم المواجهة القوية في البداية ومنتصف الإصابة أدت كلمة ـ غير مقصود له أن يسمعها ـ إلى إنهاء مقاومته وقدرته على تحدي المرض العضال.
ندعو له ولجميع المتوفين بالمغفرة والرحمة، ونستخلص العبر مما شاهدناه في حالته وحالة عدد غير قليل من المرضى الذين يفقدون القدرة على المقاومة، بسبب حالتهم النفسية التي قد تصنعها الظروف أو الشخصية ذاتها. أمر فطن له كثير من المستشفيات التي تتعامل مع مثل هذا المرض، فقامت بإيجاد قنوات ترفيه وإسعاد ودعم للمرضى سواء داخل المستشفيات أو خارجها.
يقال إن نسبة التعافي ترتفع بدرجة كبيرة عند أصحاب الروح المعنوية العالية ـ وهذا أمر مشاهد، لكن المهم هو أن نوجد هذه الروح ونؤصلها في العاملين في المرافق الصحية وندفع بها لتكون جزءا من التعافي الذي يحتاج إليه من يقاومون أمراضا مستعصية. عندما تعتمد مجموعة من البروتوكولات التي تدعم المريض نفسيا، سينتج عنها عدد أكبر من التغييرات التي تطول المنشآت الصحية والعاملين فيها والبيئة التي يعيش فيها المريض عموما.
محاولة تغيير نمط العمل في المستشفيات وبذل مزيد من الجهود في تغييرات إنشائية وبيئية في المستشفيات مهمة، فالمستشفى الذي يعج بروائح المواد الطبية والمسارات الضيقة والألوان المثبطة ويفتقد الحدائق ومراكز الترفيه لا بد أن يصبح من الماضي، كما أن جدول حياة المريض داخل المستشفى وخارجه يستدعي تغييرات تدعم قدرته على المقاومة وحبه للحياة وأمله في الشفاء، وفوق ذلك كله التوكل على الله والدعاء واحتساب الأجر.
إنشرها