السياسية

«أوبك +» .. منظمة اقتصادية لا تقبل التسييس

«أوبك +» .. منظمة اقتصادية لا تقبل التسييس

قررت منظمة "أوبك +" خفض إنتاج النفط، بواقع مليوني برميل يوميا، وهو ما يمثل 2 في المائة من حجم الإنتاج اليومي العالمي من النفط، اعتبارا من فاتح تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، رغبة من التكتل النفطي في الحفاظ على استقرار أسعار الذهب الأسود. وذلك في سياق تفاعل المؤسسة مع تراخي الأسعار في السوق الدولية، نتيجة تعهد سابق بدعم الإمدادات النفطية للأسواق، حيث وصل سعر البرميل 90 دولارا مطلع الشهر الجاري.
خطوة طبيعية ومنطقية من تجمع الدول 23 المصدرة للبترول، الذي يضم الأعضاء 13 في منظمة الأوبك، وعشر دول أخرى، خوفا من تكرار سيناريو جائحة كورونا 2020، حين هوت الأسعار في السوق الدولية إلى ما دون 40 دولارا للبرميل. علاوة على أن القرار يعمل على مواكبة التوجه العالمي للأسعار، إذ لا يعقل أن تعاكس أسعار النفط الارتفاع العالمي المشهود، في أسعار المواد الغذائية والصناعية حتى الخدمية. بذلك يعلن التكتل نهاية زمن النفط الرخيص، برفضه مقايضة البترول بسلع يتزايد سعرها باطراد.
قراءة القرار بهذه الموضوعية، ولا حتى رؤيته من هذه الزاوية، لم ترق لأطراف عديدة على الصعيد الدولي، فقد عدت الإدارة الأمريكية القرار انحيازا لروسيا ضد معسكر واشنطن في الحرب، فإيقاف تهاوي الأسعار - في نظر الأمريكيين- يعني مزيدا من الارتفاع في أسعار الطاقة عالميا، ما يزيد أزمة الطاقة في أوروبا اضطرابا وتعقيدا. ويعني كذلك، وفق المتحدث باسم البيت الأبيض، دعما مباشر لموسكو في الحرب على أوكرانيا، فخفض الإنتاج سيزيد عوائد روسيا، ويحد من فاعلية العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، خاصة أنها كسبت خلال الحرب 116 مليار يورو من صادراتها النفطية.
كلما تقدمت الحرب الروسية الأوكرانية في الزمن، كشفت مزيدا من الضغط والضعف والخلل في المعسكر الغربي، حتى باتت واشنطن قادرة على نسبة الخلل إلى النظام الكوني بدل الاعتراف بالتيه الاستراتيجي للإدارة الأمريكية، وقصور دبلوماسيتها عن فهم السياق العالمي القائم. أليس خروجا عن القواعد واللياقة الدبلوماسية قول كون كيربي إن "الولايات المتحدة قدمت للسعودية تحليلا يظهر أنه لا يوجد أساس سوقي لخفض إنتاج النفط، قبل أن تقرر (أوبك +) ذلك".
بعيدا عن السجال حول قرار التجمع النفطي، المحكوم أساسا بدافع حماية المصالح الوطنية لهذه الدول، نتولى سرد بعض المواقف والأحداث التي تكشف درجة الانتهازية، ومنسوب الاستغلال في العقل الغربي، وبشكل خاص العقل البراجماتي الأمريكي، الذي يرى الآخرين مجرد توابع، فهو مركز ومحور العالم.
أولا، دعت الولايات المتحدة، بكل براجماتية السعودية باعتبارها قائدة التجمع النفطي إلى الامتناع عن خفض الإنتاج، حتى تضمن استقرار أسعار في الداخل الأمريكي. أو على الأقل إرجاء تنفيذ القرار لمدة شهر، إلى ما بعد المعركة الانتخابية النصفية. بهذا تقول الإدارة الأمريكية للرياض ومن ورائها "أوبك +" يجب عليكم أن تحملوا الخسائر الاقتصادية، حتى أضمن الظفر بأصوات المواطنين الأمريكيين الشهر المقبل. هكذا وبكل سخافة تدعو واشنطن دول أوبك إلى تحمل نتائج قرارات المعسكر الغربي غير المدروسة، ودفع ثمن حرب لا ناقة ولا جمل لهذه الدول فيها.
ثانيا، تقع الولايات المتحدة في تناقض مع نفسها، حين تضغط باتجاه تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، لحرمان موسكو من الاستفادة من عائدات الأسعار. وتغضب في المقابل من تحرك الدول النفطية، لضمان الحفاظ على الحد الأدنى للأسعار، في مواجهة ركود محتمل في الأسواق العالمية. علما بأن هذه الدول تحملت غير ما مرة ظروفا سوقية، شهدت تدهورا كبيرا للأسعار. هكذا إذن تدعو واشنطن هذه الدول إلى التضحية بمصالحها الوطنية لحساب المصالح الأمريكية.
ثالثا، ألا يفترض من ألمانيا وقبلها فرنسا أن تتهم الولايات المتحدة بالولاء لروسيا بعد إقدامها على تضخيم أسعار الغاز في السوق، فقد تحدث روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني، عن "تطلع بعض الدول الصديقة إلى أسعار صاروخية للغاز". وكان كلام الرئيس الفرنسي أكثر دقة وضوحا، "سنقول لأصدقاء الأمريكيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة، أنتم رائعون، تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن هناك شيئا واحدا لا يمكن أن يستمر فترة طويلة، أن ندفع أربعة أضعاف السعر... ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة".
رابعا، هجوم الإدارة الأمريكية على السعودية بزعم أنها توجه القرارات داخل المنظمة، يكشف حقيقة القرارات التي تستحق لقب الإملاءات التي تؤخذ داخل المعسكر الغربي. فالاتحاد النفطي الدولي مؤسسة لا ينفرد أحد بإدارتها، وإنما تسير بناء على قواعد يحكمها التوافق بشكل جماعي بين الدول الأعضاء، وذلك وفق منظور اقتصادي بحث يخضع أساسا لقانون العرض والطلب في الأسواق الدولية.
إذا كانت واشنطن ترفض التقليص دفاعا عن مصلحتها، فمن حق الرياض، وفق المبدأ ذاته، أن تعمد إلى التخفيض، بعيدا عن أي تأويل سياسي أو تقدير استراتيجي من هذا الطرف أو ذاك. فالظاهر أن محدد تحرك الدول على مسرح الأحداث العالمي هو معيار المصلحة، وهذا ما بدا واضحا في في قرار أوبك+، فالأمر في البدء والمنتهى مجرد قواعد حسابية في عالم التجارة، يحكمها قانون العرض والطلب داخل الأسواق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية