تقارير و تحليلات

صناعة "الذهب البيج" .. كيف يجني المستثمرون ملايين الدولارات من الورق؟

صناعة "الذهب البيج" .. كيف يجني المستثمرون ملايين الدولارات من الورق؟

صناعة "الذهب البيج" .. كيف يجني المستثمرون ملايين الدولارات من الورق؟

صناعة "الذهب البيج" .. كيف يجني المستثمرون ملايين الدولارات من الورق؟

هل سمعت من قبل عن "الذهب البيج"؟ المقصود هنا ليس فقط اللون "البيج" الذي ينتمي إلى إحدى درجات البني الفاتح، وإنما المصطلح الذي يعبر عن صناعة تحقق ثروات طائلة للمستثمرين فيها تصل إلى ملايين الدولارات ويمكن جنيها من إعادة تدوير الورق المقوى المستعمل.
أغلبنا يعد صناديق الورق المقوى التي نتسلم فيها مشترياتنا أو تصل إلى أبواب منازلنا عبر البريد إذا ما قمنا بشراء سلعة من موقع من مواقع التجارة الإلكترونية عبئا ثقيلا في كيفية التخلص منها، بل إن معظمنا يفترض أن الورق المقوى المستعمل الذي نتركه لإعادة التدوير قليل القيمة، ومن المرجح أن يسخر البعض إذا ما عرف أن هناك سرقات متزايدة على المستوى الدولي للكرتون الذي يترك لإعادة تدويره.
هل ستفاجأ إذا علمت أن هناك أرباحا تقدر بملايين الدولارات تحقق بشكل قانوني أو غير قانوني من الورق المقوى المستعمل. أرباح أدت إلى تزايد نشاط العصابات الإجرامية لسرقة "الكرتون المستعمل" الذي سيعاد تدويره وبيعه، ما يكلف صناعة إعادة التدوير المشروعة خسائر بملايين الدولارات، كما أن تلك السرقات تقلص ميزانيات عديد من البلدات والمدن الأوروبية التي تحصل على جزء من مبيعات شركات إدارة النفايات.
يتم شراء ما يسمى "الذهب البيج" بنحو 100 إلى 150 دولارا أمريكيا للطن، لكن السعر يتقلب وفقا للطلب العالمي. وخلال جائحة كورونا ارتفعت الأسعار بشكل كبير بحيث وصلت إلى أكثر من 220 دولارا للطن بسبب زيادة الطلب العالمي على الورق المقوى، فأغلب النشاط الاقتصادي اعتمد حينها على الشراء من مواقع التجارة الإلكترونية على الإنترنت، ومن ثم كان هناك حاجة متزايدة إلى الصناديق المصنعة من الورق المقوى.
وفي الأعوام العشرة الماضية استوردت الصين الأغلبية العظمى من الكرتون لإعادة تدويره وتحويله إلى صناديق جديدة يتطلبها قطاع التصدير الكبير لديها، وقد أسهم ذلك في تحويل بعض المستثمرين من رجال الأعمال الصينيين إلى مليارديرات ربما أبرزهم المليارديرة "تشانج يين" الملقبة بـ"ملكة القمامة"، إذ إن شركتها متخصصة في استيراد الورق المقوى المستعمل من الولايات المتحدة.
لكن يتوقع أن تشهد الأعوام المقبلة دورا متصاعدا لدول مثل ماليزيا، تركيا وتايلند، حيث تخطط الصين لحظر جميع واردات الورق المقوى المستعمل من أجل تحفيز صناعة إعادة التدوير الداخلية.
يبدو ريان جاك المدير التسويقي لشركة ويست ميدلند لإعادة تدوير الورق المقوى متفائلا تجاه المستقبل الاستثماري في القطاع.
ويقول لـ"الاقتصادية" إنه "من المتوقع ارتفاع القيمة السنوية للتجارة المشروعة في الورق المقوى المعاد تدويره والأوراق الأخرى إلى 5.4 مليار دولار بحلول 2024، مقابل 4.3 مليار دولار في 2017، وهذه الزيادة ليست مفاجئة عندما ترى الارتفاع المستمر في التسوق عبر الإنترنت، كما أن معظم السلع الاستهلاكية تسلم في صناديق من الورق المقوى مصنوع من الألياف المعاد تدويرها، وفي أوروبا يتم حاليا إعادة تدوير 93 في المائة من صناديق الورق المقوى".
مع هذا لا يريد ريان جاك أن يفرط في التفاؤل، إذ يبدو على ثقة بأن السوق ستواصل النمو، لكن بوتيرة أبطأ مما كان عليه الوضع في 2020، حيث أدت جائحة كورونا إلى ازدهار الصناعة.
من جانبه، يرى المهندس كارتر ويتر الخبير في مجال إعادة تدوير النفايات أن التغييرات العالمية تصب في صالح صناعة الورق المقوي المعاد تدويره، فالاتجاه العالمي الراهن يعمل على تقليص الاعتماد على البلاستيك وإزالته من سلاسل التوريد، ما يعني ازدهارا مستقبليا أكبر لصناعة إعادة تدوير الكرتون التي ترمي إلى أن تصبح الأغلفة البلاستيكية هامشية ومن الماضي.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "ازدهار صناعة الورق المقوي تعني تلقائيا ازدهارا مماثلا في صناعة تدوير هذا الورق، ووفقا لتقرير حديث صدر عن مؤسسة مودرن انتلجنسيا بلغت قيمة سوق التغليف الورقي العالمي أكثر قليلا من 64 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 82 مليار دولار العام المقبل، مسجلة معدل نمو سنوي مركب 4.19 في المائة خلال الفترة من 2018 - 2023، والمتوقع أن تزيد صناعة الأغذية والمشروبات العالمية وهي حاليا أكبر مستهلك للصناديق الكرتونية والعبوات الورقية الأخرى استخدامها من الصناديق الكرتونية بما يتماشى مع نمو الصناعة، وتنامي وعي المستهلكين بحماية البيئة".
ويضيف "حاليا يتم استيراد نحو 70 في المائة من الصناديق الكرتونية تجاريا لإعادة تدويرها، والولايات المتحدة تنتج بمفردها نحو 100 مليار صندوق من الورق المقوى كل عام وتلك الصناديق إذا وضعت بجوار بعضها بعضا يمكنها أن تغلف الكرة الأرضية 570 مرة".
لكن الأرباح التي يمكن جنيها من صناعة إعادة تدوير الورق المقوى كانت من الارتفاع إلى درجة أنها جذبت عديدا من المجرمين، فباتت ظاهرة سرقة الورق المقوى المعاد تدويره مشكلة حقيقية، وعلى الرغم من عدم توفر أرقام حول كمية الورق المقوى المعاد تدويره الذي يتم سرقته، فإن الخبراء يعدون أن المشكلة خاصة في أوروبا أكبر مما يتخيله الكثيرون خاصة في بعض الدول مثل إسبانيا وتحديدا العاصمة مدريد وإيطاليا، وبدأت المشكلة تستفحل في الفترة الأخيرة في الولايات المتحدة وتحديدا في نيويورك وكاليفورنيا.
وتكمن المشكلة حاليا في أن الشركات في الأغلب لا تقوم بالإبلاغ عما تتعرض له من سرقات، إذا كان الأمر يتعلق بصناديق الورق المقوى الذي سيعاد تدويره، بل أحيانا تعد أن "اختفاء" تلك الصناديق – أيا كانت الطريقة – أمرا جيدا، حيث سيوفر عليها نفقات شركات نقل النفايات، أضف إلى ذلك أنه يصعب عمليا تتبع تلك السرقات.
وقد أشارت وسائل إعلام دولية إلى أن بعض العصابات الإجرامية في إسبانيا قامت بتأسيس شركات لإعادة تدوير الورق المقوى، واستغلت الشركة كستار لخلط الورق المقوى ذات المصادر المشروعة مع ما يتم سرقته بحيث يكون من شبه المستحيل تعقب المنتج النهائي، ثم قامت بتصدير منتجاتها إلى دول جنوب شرق آسيا، وقد بلغت خسائر بلدية مدينة مدريد جراء هذا النوع من السرقات نحو 16 مليون يورو من عائدات الكرتون المسروق الذي سيعاد تدويره.
بدوره، قال لـ"الاقتصادية" جو وليام نائب رئيس تحرير مجلة "الجريمة" إن "ظاهرة سرقة الورق المقوى الذي سيعاد تدويره لا تزال محدودة في المملكة المتحدة، لكنها أكثر انتشارا في بعض المدن الأوروبية، حيث يتجول اللصوص ببطء في الشوارع في شاحنات مستأجرة ويقومون بالتقاط بالات الورق المقوى، وحينما تصل شركات النفايات لنقل تلك البالات في الأوقات المحددة لتسلمها فإنها لا تجد تلك النفايات، خاصة أن الشركات لا تعد الورق المقوى هدفا للسرقة وفي الأغلب ما يترك في الشارع وكل ما يهمها هو التخلص منه فقط، بعض التقارير تشير إلى أن تكلفة هذا النوع من الجرائم بلغ عشرة ملايين دولار في مدينة نيويورك".
ويتوقع جو وليام أن تنضم لندن وعدد من المدن الأخرى إلى مجموعة الدول الأوروبية التي تعاني هذا النوع من الجرائم الذي سيزداد انتشارا في الأعوام المقبلة على حد قوله، وذلك نتيجة زيادة التسوق عبر الإنترنت، والحاجة المتزايدة إلى الورق المقوى لتعبئة عديد من السلع مع تزايد الجهود للاستغناء عن العبوات البلاستيكية، كما أن زيادة العقوبات على الجرائم المتعلقة بسرقة الخردة المعدنية يدفع اللصوص للبحث عن طرق أخرى لكسب المال، ونهب أكبر قدر من "الذهب البيج".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات