قراءة في الاقتصاد الصيني

في كل مرة يصعد سعر الدولار أمام عملات العالم، نرى الدول تواجه ضغوطا كبيرا على رأس المال، نتيجة لهجرة الأموال، التي تمثل في الدول الناشئة تحديا متزايدا في ظل نمو اقتصادي شبه متعثر على المستوى الدولي، واقتصاد الدول الناشئة الرئيسة بما في ذلك مشكلات الاقتصاد الأوروبي، ولهذا يمثل اتساع فجوة السياسات النقدية بين اقتصاد الولايات المتحدة والصين كأكبر اقتصادين، شرخا في الاقتصاد الصيني إذا ما فشل الصينيون في إدارة التوافق بين أسعار الفائدة والتجارة والمحافظة على نمو اقتصادي مقبول. قلص المستثمرون الأجانب ملكياتهم من السندات الصينية في آب (أغسطس) بمقدار 4.2 مليار دولار، أما على مستوى صافي التدفق الخارجي بين شباط (فبراير) وتموز (يوليو)، على سبيل المثال، فبلغت 81 مليار دولار، ومع احتمال رفع سعر الفائدة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سنرى ضغطا أكبر على صناع السياسات الاقتصادية في الصين وما سينتج عنها من مغادرة مزيد من أموال الأجانب.
يتمتع الاقتصاد الصيني بإدارة لا تزال صامدة في مواجهة ارتفاع الدولار ولم تصل إلى مستويات 2015، عندما استهلك الاقتصاد الصيني 320 مليار دولار من العملات الأجنبية للدفاع عن عملته، على الرغم من تراجع اليوان أمام الدولار، لا يزال ثابتا مع عملات الشركاء الرئيسين، بمعنى آخر، تجارة الصين مع الشركاء الرئيسين لا تزال تعطي مفعولا مضادا لآثار سعر الفائدة في الدولار، كما تعطينا دلالات اقتصادية أن السياسات الصينية ستعمل على المحافظة على تجارة مرتفعة مع الشركاء، ولربما سنرى سياسات تجارية خاصة مع الشركاء من أجل المحافظة على استمرار تدفق التجارة وفق أسس تفضيلية وبتكاليف تنافسية، وفي الوقت نفسه ستستمر الصين في تعديل سعر صرفها بطريقة مصطنعة تعوض هجرة الأموال إلى الخارج، سواء من الأجانب أو الأثرياء الصينيين. ولعل المحافظة على نسبة مقبولة لمتوسط الفرق بين سعر فائدة بين السندات الحكومية الأمريكية والصينية، من أكثر الأدوات فاعلية على المدى القصير، بهدف تقليص جاذبية السندات الأمريكية، وتقليص خروج رؤوس الأموال الموجودة في الصين.
أما على المدى الطويل، فالاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت إلى الأسواق الصينية تعد صمام أمان إضافي. جذبت الصين في 2020 ما يقارب 144 مليار دولار على الرغم من أزمة كوفيد - 19 وحالة عدم اليقين التي عاشها العالم، أما في 2021 فبلغت الاستثمارات المباشرة المقبلة من الخارج 173 مليار دولار.
أما من منظور المخاطر الاستراتيجية تمثل الأزمات الجيوسياسية مهددا حقيقيا للاقتصاد الصيني، ولا سيما إذا ما تطورت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، وقامت واشنطن بأي ضغط على الصين من خلال تايوان، بهدف تقليص فرص دخول الصين كطرف مع روسيا. الصين حاليا تحاول تحصين اقتصادها بشركاء من خارج الحلف الأمريكي، كما أن الاقتصاد الصيني يتمتع باقتصاد شركات حكومية يمكن تفعيل دورها في إيجاد الطلب الداخلي ومواجهة تحديات القطاع الخاص وسوق النقد الواقعة تحت ضغط الدولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي