Author

كيف نتخذ القرار وآليته؟

|
تمثل الأفكار المسبقة التي نحملها تجاه الآخرين أفرادا ومجتمعات، أو الأشياء، كالأماكن من مدن، أو تخصصات، عاملا مهما قد لا نتنبه لتأثيره في سلوكنا وتصرفاتنا، إما إيجابا أو سلبا، فما نسمعه من الأهل والأصدقاء من معلومات قد تكون مغلوطة، وتوقعنا في المحذور من سوء التعامل مع من وصلتنا حوله المعلومة، فمثلا قد يسافر أحدنا إلى بلد ما ويحدث له موقف سيئ نتيجة تصرف خاطئ أقدم عليه أحد أبناء ذلك الوطن، فتتشكل صورة قاتمة لديه يحملها معه أينما ذهب، نتيجة التعميم الخاطئ، ومن ثم يتخذ كل من سمع ذلك موقفا سلبيا يتم بموجبه عدم السفر إلى ذلك البلد، فموقف من فرد انسحب على كل أبناء البلد، رغم أنهم قد يتحلون باللطف والشهامة والكرم وحسن الخلق.
التجربة الفردية يجعل منها البعض أساسا للحكم على الأشياء والآخرين ويغلقون عقولهم عن التفكير الموضوعي الذي يقارن الإيجابيات والسلبيات، فالحياة في كل مجال من مجالاتها فيه الحسن والقبيح، والضار والنافع، لكن نظرتنا القاصرة تجعلنا نركز على السلبيات دون الإيجابيات، ولو قدر وقارنا لتبين لنا أن الإيجابيات تفوق السلبيات، لذا نفقد كثيرا مما يحسن حياتنا ويغير من أوضاعنا.
الطلاب، خاصة في الجامعات، يواجه بعضهم صعوبة في اختيار التخصص المناسب، وربما يتخذ موقفا مسبقا نحو تخصص من التخصصات، نظرا إلى رأي قريب أو صديق سبق له البدء بدراسة التخصص، لكنه لم يوفق في إكمال الدراسة، واتخذ من هذه التجربة المتعثرة موقفا سلبيا نحو التخصص، ليتشكل بذلك موقفا سلبيا لدى من يسمع موقفه هذا من ذلك التخصص، لكن لو تبصرنا، وسألنا بشأن أسباب التجربة المتعثرة للصديق لربما اكتشفنا افتقاده القدرات العقلية المناسبة.
فالعقل البشري فيه من القدرات الشيء الكثير، القدرة الرياضية، والقدرة اللغوية، والقدرة المكانية، والقدرة التحليلية، والقدرة الفنية، وغيرها كثير، أو ربما لا يتوافر لديه الميل إلى ذلك التخصص، أو أنه شخص ملول، وليس لديه الجلد، ولذا فعدم إدراكنا، ووعينا بالتنوع، والتعدد في المواهب، وأسباب التعثر يجعلنا نتصرف وفق قانون المحاولة والخطأ لنتعثر ونصاب بالإحباط، كنتيجة حتمية لعدم الاختيار الموضوعي.
في أحد الأيام دخل علي طالب ليس من طلابي، ولا أعرفه، وأراد استشارتي بشأن التحويل من الكلية التي يدرس فيها إلى كلية أخرى، وكان السؤال المنطقي الذي أوجهه إليه، ما السبب في ذلك؟ فكانت الإجابة السريعة أن أحد زملائه الدارسين معه أخبره أن ابن قريب له سبق له الدراسة في التخصص، ولم يتمكن من إكمال الدراسة، لذا قرر هو الآخر الانسحاب من هذا التخصص، فكان السؤال الثاني، وهل تعرف أوضاع وأسباب انسحاب القريب فلربما لديه ظروف مرضية، أو ربما لا تتوافر لديه القدرات المطلوبة للتخصص؟ وأقنعته بعد نقاش طويل ومفصل بإكمال الفصل الدراسي، والاستمرار في كليته، فلكل فرد ظروفه.
أخذ الطالب بالنصيحة، ولم يحول، ودرس طب العيون، والآن يعمل استشاريا في طب العيون، ومن أمهر المتخصصين في المجال، ومن هذه الحالة يتبين لنا أن قراراتنا التي نتخذها في كثير من شؤون الحياة تستند إلى انطباعات تشكلت بناء على خبرات الآخرين، وتفتقد الوعي والموضوعية، وكأننا نقاد بلا إرادة منا.
إنشرها