Author

الأسرة الخليجية والتغيرات المتسارعة

|

التغير سنة الحياة، وركود المياه يجعلها آسنة مع مرور الوقت، لذلك ينبغي مواكبة التغيرات مواكبة مدروسة وواعية. في هذا السياق نظم مجلس شؤون الأسرة منتدى الأسرة الخليجية خلال الأسبوع الماضي، في وقت تتأثر الأسرة الخليجية، كغيرها، بتغيرات متسارعة في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والتقنية، وذلك تزامنا مع يوم الأسرة الخليجية في الـ14 من شهر أيلول (سبتمبر) الذي يهدف للاحتفاء بالأسرة الخليجية.
في الحقيقة، جاء هذا المنتدى في الوقت المناسب ليضع النقاط على الحروف، ويبرز القضايا المهمة أمام الباحثين وصناع القرار، ويسهم في تحديد الحلول التي تؤدي إلى تماسك الأسرة الخليجية، خاصة أن الأسرة في الخليج ليست بمعزل عما يمر به العالم من تغيرات متنوعة، ما يحتم العمل المشترك للاستفادة من معطياتها من جهة، والحد من آثارها السلبية من جهة أخرى. وذلك استشعارا لما تحظى به الأسرة من أهمية في النظام الأساسي للحكم الذي يشير في مادته التاسعة، إلى أن "الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويتربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ورسوله، وأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن، والاعتزاز به وتاريخه المجيد"، وكذلك في مادته العاشرة التي تشير إلى أن الدولة تحرص "على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم". كما أولت رؤية المملكة 2030 اهتماما كبيرا بالأسرة وتماسكها وجودة حياتها.
وتضمن برنامج منتدى الأسرة الخليجية ست جلسات حوارية رائعة شاركت فيها نخبة من الخبراء والمختصين، فقد ركزت الجلسة الأولى على قيم الأسرة في الخليج وأثرها في إعداد جيل يواكب التغيرات، في حين اهتمت الجلسة الثانية بتأثير تكنولوجيا الواقع والواقع المعزز على تماسك الأسرة في الخليج، ثم تناولت الجلسة الثالثة اقتصادات الأسرة وأثرها في تعزيز تماسك الأسرة. أما الجلسة الرابعة، فاهتمت بالطفل من خلال مناقشة أفضل الممارسات والسياسات التي تدعم الطفولة في دول الخليج. إضافة إلى ذلك، ركزت الجلسة الحوارية الخامسة على واقع كبار السن في ظل المتغيرات، وناقشت الجلسة الحوارية السادسة صحة الأسرة في الخليج.
وبكل تأكيد هناك حاجة ماسة إلى تعزيز تماسك الأسرة الخليجية وحمايتها من التفكك من خلال تعزيز القيم التي تواكب التغيير الإيجابي للمجتمعات، خاصة أن الأسرة هي نواة المجتمع، وأن قيمها تسهم في رسم ملامح الهوية الوطنية، وتقوي الانتماء للمجتمعات الخليجية، من هذا المنطلق، ينبغي التركيز على القيم، تتناسب مع متطلبات العصر وتساعد على الانطلاق لمستقبل مشرق.
بناء عليه، هناك حاجة إلى تحديد القيم التي تحتل أهمية كبيرة لدى المجتمعات الخليجية وتسهم في تماسكها وزيادة دورها في بناء المجتمع، مثل: الصدق، والتسامح وقبول الآخر، والعطاء، والحوار، والإخلاص في العمل، واحترام الآخرين، ونحوها. وبعد تحديد تلك القيم ينبغي غرسها في نفوس الناشئة من خلال الأسرة، فمن المؤكد أن الأسرة تتحمل الدور الأكبر في غرس هذه القيم، لكن في ظل بيئة تتمتع بتشريعات مناسبة، وبرامج تعليمية فاعلة، ووسائل إعلام وطنية مسؤولة، ولا يقل عن ذلك دور المسجد في غرس القيم النبيلة لدى النشء.
وإلى جانب ما أسهم به هذا المنتدى من حوارات رائعة وتوصيات جيدة تسلط الضوء على الأمور التي تعزز مكانة الأسرة الخليجية، وتزيد من دورها في المجتمع لتكون أكثر قوة وتماسكا، فإن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات الجادة لفهم الأسرة والتحديات التي تواجهها، مثل رصد التحولات والتغيرات التي تشهدها الأسرة الخليجية من النواحي الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، ودراسة تأثير الرؤى التنموية الطموحة في الأسرة الخليجية، وآليات تكيفها ومواجهتها للتحديات التي تصاحب التغيير والتنمية، إلى جانب الاهتمام بتأثير الهجرة الخارجية الوافدة، وإدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على قيم الأسرة الخليجية، مع ضرورة الاهتمام بما يعزز الهوية الوطنية الخليجية.

إنشرها