تقارير و تحليلات

أسعار السلع عالميا تثير المخاوف حول نمو الاقتصاد الإندونيسي

أسعار السلع عالميا تثير المخاوف حول نمو الاقتصاد الإندونيسي

أسعار السلع عالميا تثير المخاوف حول نمو الاقتصاد الإندونيسي

هل يحق لإندونيسيا أن تكون أكثر تفاؤلا بشأن مستقبلها الاقتصادي؟. هذا السؤال يطرحه خبراء كثيرون عند بحث الآفاق المتوقعة للاقتصاد الإندونيسي، ومدى قدرته على اغتنام الفرص للارتقاء من المرتبة الـ16 التي يحتلها حاليا في ترتيب الاقتصاد العالمي إلى المرتبة الـ7 بحلول 2030 كما يتوقع أغلب الخبراء.
التساؤل بشأن مستقبل الاقتصاد الإندونيسي اتسع نطاقه بعد أن كشفت نتائج الربع الثاني من هذا العام أن الاقتصاد الوطني توسع بنسبة 5.44 في المائة، وذلك أعلى بكثير من أفضل التوقعات التي رجحت أن معدل النمو سيبلغ 4.5 في المائة.
ومع تحسن النشاط الاقتصادي بشكل يفوق المتوقع، فإن التفاؤل ساد بشأن قدرة إندونيسيا على تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي في الربعين المتبقيين من هذا العام، وذلك على الرغم من إقرار الجميع بوجود كثير من التحديات الكبيرة التي لا يجب أن يستهان بها عند بحث قضية النمو المأمول.
الجدير بالاهتمام أن إندونيسيا أفلحت في إنجاز معدل نمو مرتفع على الرغم من أن الإنفاق الحكومي استمر في الانكماش لتحقيق مزيد من التوازن في الميزانية العامة، علاوة على ذلك فإن متطلبات توفر إنفاق حكومي للمساعدات الاجتماعية وللشركات تضاءل أيضا بعد تخفيف القيود التي فرضتها الدولة على الأسواق خلال جائحة كورونا، بل إن الأمر الإيجابي أن رصيد الميزانية الحكومية أظهر فائضا نادرا يقدر بخمسة مليارات دولار في النصف الأول من هذا العام.
ويصبح السؤال ما العوامل التي دعمت النمو الاقتصادي لإندونيسيا في الربع الثاني من هذا العام؟
يجيب لـ"الاقتصادية" بيتر بلوم الباحث في الاقتصاد الآسيوي قائلا "عاملان قاما بالدور الرئيس في تعزيز أداء الاقتصاد الإندونيسي. يتعلق الأول بنمو القوى الاستهلاكية للأسر على خلفية تراجع المخاوف من وباء كورونا وكذلك رفع القيود الاجتماعية واستعادة الشركات لأنشطتها، والعامل الثاني يعود إلى النمو الكبير في الصادرات نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة زيت النخيل والفحم وهما من صادرات إندونيسيا الرئيسة، وفي الوقت ذاته تراجعت الواردات".
لكن بيتر بلوم يحذر من أن "الإنجازات المحققة قد تذهب إدراج الرياح إذا تراجعت أسعار السلع العالمية بقوة وبسرعة غير متوقعة، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى قلب الطاولة. وإذا هيمنت التوجهات المحافظة على الأداء الاقتصادي الحكومي ورفض المسؤولون أو ترددوا في الانخراط في أنشطة اقتصادية جديدة".
تعد إندونيسيا واحدة من أفضل الأسواق الناشئة أداء في العالم هذا العام، إذ أفلحت في تعظيم قاعدة المستهلكين المحليين، حيث بلغ عدد السكان في 2020 نحو 273.5 مليون نسمة، كما نجحت في جذب الاستثمارات الدولية بشكل ملحوظ، وارتفع مؤشر إم إس سي آي الإندونيسي بنسبة تقارب 12 في المائة تقريبا مقيما بالدولار الأمريكي، وذلك في الوقت الذي انخفض فيه ذات المقياس بالنسبة لمجموع الأسواق الناشئة بنحو 14 في المائة.
وخلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام نجحت إندونيسيا في جذب استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار، أي ضعف إجمالي ما استقطبته من استثمارات في العام الماضي، وهو ما يعد إنجازا كبيرا، خاصة أن القارة الآسيوية شهدت خروجا ملحوظا لرؤوس الأموال الأجنبية هذا العام بلغ 47.8 مليار دولار بعد أن تأثرت الأسهم والسندات العالمية بعديد من التحديات سواء الحرب الروسية في أوكرانيا أو ارتفاع معدلات التضخم أو تواصل سياسات الإغلاق في الصين، إضافة إلى الزيادة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في العالم.
تتمثل العلاقة الإيجابية بين إندونيسيا من جانب وكبار المستثمرين في العالم من جانب آخر في إقبالهم الشديد على شراء أسهم في شركات التعدين والمواد الإندونيسية. وأسفر الإقبال على ارتفاع قيمة سهم شركة تعدين الفحم الإندونيسية بما يقارب 50 في المائة بعد تقليص أوروبا اعتمادها على الغاز والنفط الروسيين، وإعادة إحياء محطات الفحم لتوليد الكهرباء خاصة في ألمانيا، وما استتبع ذلك من البحث عن مصدرين للفحم بخلاف روسيا.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" دامين ديني المحلل المالي في قسم الأسهم الآسيوية في بنك جولدمان ساكس، إن "الأفق الإيجابي للعوامل التي تدفع الاقتصاد الإندونيسي للأمام جعلت بنك التنمية الآسيوي يرفع توقعاته بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي في إندونيسيا لهذا العام من 3.7 في المائة إلى 5 في المائة، وربما يعود ذلك لأن إندونيسيا نجت من بعض المشكلات التي تواجه الصين أو جيرانها الأكثر اعتمادا على السياحة في جنوب شرق آسيا مثل تايلاند، وعلى الرغم من أن إندونيسيا وجهة سياحية عالمية بفضل أماكن مثل جزيرة بالي، لكن نسبة السياحة في الاقتصاد الإندونيسي أقل مقارنة بتايلاند".
مع هذا فإن البعض يتخوف من احتمالية بروز مشكلات في الأفق مع تصريحات وزير تنسيق الشؤون الاقتصادية بأنه من المحتمل أن تسجل إندونيسيا تضخما أعلى من معدلات النمو الاقتصادي في الربع الثالث من هذا العام، وهو ما دفع بالحكومة إلى حث حكام الأقاليم على العمل على ألا يتجاوز معدل التضخم على السلع 5 في المائة، حيث يبلغ حاليا 4.94 في المائة.
وكانت المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم العامل الرئيس الذي يقف وراء قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة في الأسبوع الأخير من آب (أغسطس) لأول مرة منذ 2018.
بدوره، يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور سبستيان لويس أستاذ المالية العامة في جامعة أدنبرة "الأمر لا يقف عند مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار فقط، وإنما يأتي ضمن خطة المركزي الإندونيسي لتعزيز جهود استقرار الروبية لتقوية الاقتصاد المحلي".
ويرى الدكتور لويس أن الحكومة الإندونيسية ستجد نفسها في نهاية المطاف مجبرة على رفع أسعار الوقود المدعوم، حيث تبلغ تكلفة دعم الوقود نحو 34 مليار دولار سنويا، وبتقليص المبالغ المخصصة للدعم سترتفع معدلات التضخم.
مع هذا فإن أداء الاقتصاد الإندونيسي هذا العام سيظل جيدا، من وجهة نظر الدكتور لويس، فعلى الرغم من الاستنزاف الطفيف للاحتياطات الإندونيسية من العملات الأجنبية التي انخفضت إلى 132.2 مليار دولار في تموز (يوليو) الماضي، فإنها تظل عند مستوى يعادل الواردات لمدة 6.2 شهر، يعني أعلى بكثير من المعيار الدولي البالغ ثلاثة أشهر، كما أن مخاطر هروب رؤوس الأموال مستبعدة الآن على الأقل لأن حيازات الأجانب من الأسهم الإندونيسية لا تزال منخفضة.
تحتل إندونيسيا الآن المرتبة الـ16 في ترتيب الاقتصاد العالمي، ويقطن 53 في المائة من سكانها في المدن ويسهمون بنحو 74 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولديها 55 مليون نسمة يصنفون باعتبارهم عمالة ماهرة.
ومع توقع استمرار مسيرتها الاقتصادية الجيدة فإنه بحلول 2030 ستحتل إندونيسيا المرتبة الـ7 في ترتيب الاقتصاد العالمي، وسيقطن 71 في المائة من مواطنيها في المدن، وسيسهمون بما يعادل 86 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وستقفز القوى العاملة الماهرة لديها إلى 113 مليون عامل، كما ستقفز الفرصة السوقية لديها من نصف تريليون دولار الآن في الخدمات والزراعة والثروة السمكية والموارد والتعليم إلى 1.8 تريليون دولار.
وبذلك نكون أمام أرخبيل ديناميكي لديه القدرة على امتلاك اقتصاد أكثر تنوعا واستقرارا، خاصة أن الدين الحكومي الآن كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أقل مما هو عليه في الأغلبية العظمى من الاقتصادات المتقدمة.
مع هذا تظل قضية التوزيع غير المتكافئ للنمو عبر الأرخبيل وارتفاع عدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية، والقيود الناجمة عن ضعف البنية التحتية في الجزر الإندونيسية جميعها عوامل سلبية تضع قيود موضوعية على الإسراع بعملية النمو، بل توجد إذا ما تفاقمت معوقات حقيقية تضعف من قدرة رأس المال البشري في إندونيسيا من المشاركة بفاعلية في عملية التنمية أو اغتنام الفرصة لزيادة القدرة الاقتصادية للمجتمع ككل.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات