Author

في يومنا الوطني .. الانتماء للوطن

|
العلاقة بين الشعوب وأوطانها على وجه البسيطة تتمثل في حقوق وواجبات، فمجرد وجود وطن ينتمي إليه الشخص ميزة لا يدرك قيمتها إلا من فقدها، وأذكر أحد الطلاب الذين درسوا معي في الولايات المتحدة كان يشكو كثيرا من فقدان الانتماء للوطن، إذ كان وطنه بورتوريكو فاقدا للسيادة والاستقلال، ولا يزال يخضع للاحتلال الأمريكي حتى الآن، وأتفهم معاناته لما للانتماء للوطن من شعور بالسمو والصلابة والقوة، فالوطن دار يحتمي ويلوذ بها الفرد، ويباهي الآخرين بهذا الانتماء، كما أن من مكاسب الانتماء للوطن فرصة التعليم، والخدمة الصحية، والشعور بالأمن، والحصول على فرصة عمل تحقق له الدخل المناسب، إضافة إلى توافر خدمات البنية التحتية من مياه، وطرق، وكهرباء وغيرها، وبما يتناسب مع تطورات العصر، ولذا تحتفي الدول بأيامها الوطنية، سواء يوم تأسيس، أو يوم وحدة، ولم شتات، أو استقلال للدول التي خضعت للاستعمار.
نحن في المملكة يصادف اليوم الوطني من كل عام الـ23 من أيلول (سبتمبر)، لما يمثله هذا اليوم من وحدة بعد تفرق، وقوة ومنعة بعد ضعف، وسيادة ومكانة بين الأمم، فلبلادنا دورها في الهيئات والمحافل الدولية، كالأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة اليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الفاو، إضافة إلى دورها القوي على الساحة الدولية في منظمة "أوبك"، وذلك في سياسات النفط من حيث أسعاره، وكمية الإنتاج، بما يتناسب مع مصالح الوطن الآنية والمستقبلية.
الأمريكيون يفاخرون بقوتهم الاقتصادية والعسكرية، والبريطانيون يفاخرون أن بلادهم كانت لا تغرب عنها الشمس، هذا لا يعني الجزر في أوروبا، لكن يدخل فيها الدول المستعمرة في حقبة سابقة، وهذا ينطبق على دول أخرى كفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولو دققنا في تاريخ هذه الدول، وإرثها الاستعماري لوجدنا ما تخجل منه الإنسانية، لما حدث من عبودية، وقتل، ونهب للثروات، وسحق، وإفناء للشعوب الأصلية، كما حدث مع الهنود الحمر في أمريكا.
نحن السعوديين نفاخر في بلادنا ذات الطبيعة الصحراوية في عمومها، لا بثرواتها، بل بإنسانها، والأهم من ذلك نفخر بكون بلادنا مهبط الوحي، وموئل الرسالة، وقبلة المسلمين، حيث تحتضن أشرف بقاع الأرض، ويتجه إليها المسلمون خمس مرات في اليوم، ونفخر في بلادنا لأننا نخدم الحجاج، والعمار، والزوار، نفخر لأننا جلبنا التقنيات لنحلي ماء البحر، ونشرنا التعليم العام والعالي في جميع البلاد، ومن مفاخرنا أننا أوجدنا أكبر مزرعة للزيتون في العالم، إذ يبلغ عدد أشجارها 18 مليونا.
المنجزات الحضارية التي تحققت خلال العقود الماضية تمثل وسام شرف لبلادنا، ومواطنيها، لذا من واجبنا المحافظة على ما تحقق من منجزات، فلا نسرف في الثروات، كما تجب المحافظة على الممتلكات العامة لنسلمها للأجيال المقبلة، وهي في أحسن حال، كما من واجبنا السعي بكل إخلاص، وبذل الجهد لتطوير ما هو قائم، والعمل على تحقيق ما لم يتحقق، لننافس الدول العظمى، ليس في استخدام التقنية، وإنما في إنتاجها، وتطوير ما هو أفضل من الموجود.
ديننا يفرض علينا التخلق بالأخلاق الحميدة أينما كنا، ومع من تعاملنا لنمثل الوطن خير تمثيل، فالوطن ليس محصورا في مناسبة يوم، وإنما الوطن كيان يجب أن يعيش في عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا في كل لحظة.
إنشرها