Author

في حب مكة

|

ينمو مع الإنسان حب الوطن، حيث تتراكم الذكريات ويحن القلب لتلك الذكريات مهما تقادمت. لعل أكثر المولعين بالماضي هم من كبار السن الذين يكتشفون أن أكثر اللحظات صمودا في الذاكرة ليست تلك المتعلقة بالنجاح الوظيفي أو الصفقات التجارية أو الشهرة "من حيث أتت"، وإنما تصمد ذكريات الطفولة وتبقى علامة بارزة يبتسم الواحد منا عند استرجاعها كلما استفزت الذاكرة.
ينبع هذا الحنين من حدة التركيز الطفولي وفعل الأشياء أو رؤيتها لأول مرة، ومحاولات التعلم التي ترتبط بشخوص وأماكن تأبى أن تفارق الواحد منا. لعل من يهتمون ويتابعون المقاطع المنتشرة للماضي ومبانيه ومزارعه وشخوصه وحكاياته، يعلمون أن هذه الذكريات تنبشها محاولات استرجاع الذكرى وليس تبديل الحال، فعودة الحال من المحال ـ كما يقال.
عندما يكون الحديث عن الماضي وعن الوطن وحب الموطن الذي ينشأ الواحد فيه تبرز أماكن لها في القلوب حظوة، وتصعد أعلى من ذلك أماكن حبها شريعة وقيمة وعقيدة. لهذا سعدت وأنا أشاهد المسابقة التي تبنتها إحدى الشركات الوطنية بمسمى "في حب مكة".
مكة مهوى أفئدة العالم وموطن الرسالة ومربى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وحبه الأول. يسكن حب العاصمة المقدسة قلوب المسلمين، ويأبى تاريخها إلا أن يكون أنصع التواريخ وأكثرها تأثيرا في البشرية. فهي تستحق كل الحب، ولئن كانت هذه المسابقة بادرة موفقة، فمكة تستحق كثيرا من الرعاية ومزيدا من التعريف خصوصا للأجيال الجديدة التي يمكن أن تحصل على المعرفة بأيسر السبل وأحدث الوسائل.
قد يكون من الملائم أن تحذو المدن الأخرى حذو مكة، بل إنه يمكن أن نصنع شيئا مماثلا للوطن بأكمله، ويمكن أن تبدأ محاولات ترسيخ هذا الحب من خلال المسابقات والمشاركات العامة التي لها أثر أكبر من الأعمال التي قد تتبناها جهات تحاول أن تفرض فيها رأيها أو رؤيتها.
تشجيع المواطن على التعريف بحبه لوطنه، من خلال دعم مثل هذه الأفكار ماديا وأدبيا سينتج كثيرا من الإبداعات، خصوصا عندما يسهم فيها أصحاب الذكريات وعشاق الأماكن من أبناء الوطن. مشروع كبير يمكن أن يوصلنا إلى مزيد من النتائج التي حققها مشروع مبتدئ ـ لكنه مهم ـ حظي بأكثر من 400 مشاركة.

إنشرها