Author

التحولات الاجتماعية .. العوامل والآثار

|
ما من شك أن المجتمعات البشرية مرت وتمر بتحولات منذ أن وجدت على البسيطة، بعض التحولات إيجابي، والآخر منها سلبي، والمهتمون بتاريخ المجتمعات، ورصد التغيرات التي تحدث لها، معنيون بشكل كبير بمعرفة نوع التحولات والآثار المترتبة عليها، كما أن أسباب وعوامل التحولات تحظى باهتمام بالغ، نظرا إلى أهمية ذلك، بهدف التحكم في العوامل، إن كان ذلك ممكنا، سواء بالأخذ بها واعتمادها أو توجيهها، أو التمكن من تحديد مقدار تدفقها وقوة تأثيرها ليتناسب مع إيقاع العصر، والظروف التي يمر بها المجتمع.
عوامل التغيير في المجتمعات العالمية متشابهة، من حيث النوع، وإن اختلفت من حيث المقدار، وقوة التأثير، وأهم العوامل ذات الأثر الواضح التعليم، من حيث انتشاره، أو محدودية ذلك، فكلما تمتع أفراد مجتمع ما من التعلم، وبمستويات عالية، ارتفع مستوى الوعي، وبارتفاع مستوى الوعي يحافظ الناس على موارد وطنهم، ويشعرون بقيمة الانتماء، وأهمية متانة التماسك الاجتماعي، كمؤشر على أحد عناصر قوة المجتمع في وجه القوى الخارجية الطامعة، وما نتائج الحروب بالانتصارات والهزائم التي حدثت عبر التاريخ إلا أمثلة على قيمة الوعي، والترابط بين مكونات المجتمع في تقوية الجبهة الداخلية لصد التهديدات الخارجية.
بالعلم يتمكن أفراد المجتمع من اكتساب المعرفة التي تؤهلهم لاكتساب مهارات التصنيع، والزراعة المبنية على استثمار أفضل التقنيات، لزيادة وجودة المنتجات، وبما يتلاءم مع الظروف البيئية والمناخية، وبما يحقق كفاءة استخدام مصادر المياه، دونما إسراف، "لا تسرف ولو كنت على نهر جار". لو قدر لباحث تاريخي في التربية والتعليم في بلادنا أن درس تطوره لهاله التغير الكبير الذي حدث، إذ لم يكن عدد المدارس في البداية إلا بمقدار عدد أصابع اليد، بينما الآن بعشرات آلاف المدارس، وملايين الطلاب في جميع المراحل، ومئات آلاف المعلمين.
الموارد الطبيعية والحالة الاقتصادية لها تأثيرها في التحولات الاجتماعية، فالوضع الاقتصادي القوي يسهم في تنشيط التجارة الداخلية والخارجية، وله دوره الأساس في انتشار البضائع في جميع أرجاء الوطن، ومن تأمل في أسواقنا وما فيها من بضائع من أغذية وملابس وأدوات نظافة وسيارات وأدوات ترفيه ومطاعم وكافيهات وغيرها، سيجد بونا شاسعا بين الوضع الراهن، وما كان قبل 50 عاما، ولذا نجد أن من عاش قبل الوفرة المالية هم الأكثر حرصا على التوفير والاقتصاد في الصرف، لخبرتهم القاسية في محدودية توافر الأشياء في تلك الفترة.
الصور التي التقطها من يملكون الكاميرات مع ندرتهم، أو تلك التي التقطها من زاروا المملكة من الرحالة، أو الحجاج، والزائرين تكشف التحول الجذري في نمط الحياة والمساكن ووسائل المواصلات والملابس، بل في طريقة التفكير. ما من شك أن التعليم والوضع الاقتصادي لهما تأثير متبادل، فالتعليم يفتق المواهب ويكتشف الموارد وينتج أدوات استثمارها، كما أن الاقتصاد الجيد يسهم في انتشار التعليم وتوفير عناصر جودته.
التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى والانفتاح عليها له إسهام كبير في التحولات الاجتماعية، فما يوجد من أدوات إنتاج في وطن قد تنتقل إلى وطن آخر، متى ما وجد التواصل بين المجتمعات، وما وجود ما يزيد على عشرة ملايين وافد من جميع أنحاء العالم إلا مثال حي على قيمة الانفتاح، لإسهامهم في تنفيذ مشاريع التنمية بخبراتهم وثقافاتهم، وهذا بدوره ينقل معه ثقافة وقيما إدارية وتنظيمية، بل قيم حياة عامة.
إنشرها