ما السلع العامة العالمية؟ «3 من 3»

المؤسسات العالمية تتعامل مع الحكومات الوطنية، على عكس المواطنين الأفراد. وهناك كثير من الحكومات الوطنية التي تكافح لمجرد توفير السلع العامة حتى داخل دولها.
وكانت المصادقة على "اتفاقية باريس" تمثل نجاحا وبرهانا على قصور التنسيق على المستوى الدولي، في آن واحد، فمن خلال تحديد مخصصات حسب الاحتياجات والمسؤوليات الخاصة للدول، تأخذ الاتفاقية في اعتبارها الرفاهية في كل بلد. وكانت ثمرة التزام الاقتصادات المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار لتمويل الأنشطة المناخية كل عام هي تعبئة موارد الاقتصادات في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، ومع هذا، كان انسحاب الولايات المتحدة عام 2020 والقصور المزمن في توفير التمويل اللازم للأنشطة المناخية قد سلط الضوء على محدودية قدرة الاتفاقية على إنفاذ المساهمات والقضاء على مشكلة "الراكب بالمجان".
وبشأن العرض والطلب فمن غير المحتمل، رغم ذلك، أن يستمر إخفاق العالم في توفير السلع العامة العالمية. فكثير من المؤسسات التي توفر السلع العامة اليوم لم توجد بدافع ذاتي، وإنما تشكلت لتلبية الطلب، فكان تطور التعليم الحكومي في الولايات المتحدة استجابة لطلب المواطن في عالم يتقدم تكنولوجيا. وكان صندوق النقد الدولي قد أسس بعد "الكساد الكبير" والحرب العالمية الثانية بعد أن أدركت الدول الحاجة إلى تعزيز الاستقرار المالي العالمي.
وهناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد أن الطلب على السلع العامة العالمية متنام. وسواء كان الأمر يتعلق بالتجارة أو التدفقات الرأسمالية أو الهجرة، فالعالم اليوم أكثر ترابطا بكثير مما كان عليه عام 1945، عندما أنشئ عديد من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة الصحة العالمية. وتزداد أهمية السلع العامة العالمية في حياتنا اليومية مع كل أزمة جديدة فكانت نتيجة جائحة كوفيد - 19 هي زيادة الطلب على الصحة العامة العالمية ونتيجة أزمات اللاجئين هي زيادة الحرص على السلام العالمي، ونتيجة تغير المناخ في زيادة الرغبة في الحفاظ على البيئة العالمية، وتقتضي هذه الأزمات وضع إطار عالمي يقر بالالتزام المشترك، ويحدد بوضوح مسؤولية كل بلد، ويحقق إنفاذ هذه الالتزامات.
وكي تستطيع المؤسسات العالمية أن تعزز عملية التنسيق، يتعين أن تكون لديها هياكل شاملة للحوكمة تضمن شرعية القرارات وتمثل كل المواطنين في الحاضر والمستقبل على مستوى العالم قاطبة. وإذا أمكن الاستفادة من الزخم المتزايد اليوم وتعبئته لبناء هذا الإطار العالمي، ربما أصبح توفير السلع العامة العالمية حقيقة واقعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي