Author

فاتورة الكوارث .. الثمن والحلول

|

أخذت خسائر الكوارث الطبيعية تسجل أرقاما كبيرة، بسبب اتساع رقعتها على مستوى دول العالم، وأصبحت تنضم إلى الخسائر القومية الاقتصادية التي تنعكس على أداء معظم الدول، ولعلنا نلاحظ أن الكوارث خلال الفترة الأخيرة لم تستثن أي دولة، خاصة بعد تنوع حركة الانتشار، حيث لم تنحصر في الفيضانات أو الأمطار الغزيرة غير المتوقعة أو الأعاصير العنيفة والزلازل والانهيارات الأرضية، وكذلك انتشار حرائق الغابات التي فشلت الدول المتقدمة في السيطرة على امتداداتها رغم إمكاناتها التقنية ومتانة بنيتها التحتية، فضلا عن الدول الفقيرة التي تعاني أصلا ضعف إمكاناتها وبنيتها التحتية.
ومنذ عشرينيات القرن الماضي، اهتم الاقتصاديون بالكوارث الطبيعية، وزاد الاهتمام بها بسبب التطور الحضري في العالم والتنمية الاقتصادية، ما ضاعف من قيمة الأصول في الدول، ما يعني من جانب آخر تزايد الخسائر البشرية والمادية. لكن المهم هو تفاوت هذه الخسائر بين الدول وداخلها، بين من يملك القدرة على تفادي الكارثة أو التكيف معها، ومن لا يملك ذلك.
من خلال هذا المشهد على الحياة الطبيعية بكوارثها الخطيرة ماديا واقتصاديا، تواجه شركات التأمين ضغوطا كبيرة على صعيد التعويضات الناجمة عن الخسائر التي تسببها الكوارث الطبيعية المختلفة حول العالم. وازدادت وتيرة هذه الكوارث خلال الأعوام الماضية، مع التحولات الواضحة بفعل التغير الطبيعي. وفي الفترة الماضية ارتفعت صفقات إعادة التأمين، في محاولة تقليدية معروفة لشركات التأمين لتوزيع مخاطر التعويضات المرتفعة. وهذا يحدث عادة عندما تجد هذه الشركات نفسها غير قادرة على مواجهة التكاليف بمفردها، بما في ذلك شركات عالمية كبرى مثل "لويدز". فاحتمالات تصاعد الكوارث باتت حاضرة على الساحة دائما، والخسائر الاقتصادية الناجمة عنها شملت كل قطاع تقريبا. واللافت، أن الكوارث الطبيعية الثانوية، مثل: الفيضانات والعواصف وموجات الحر والصقيع، تزداد بوتيرة أكثر من تلك الكبرى مثل الزلازل والأعاصير.
ووفق المختصين، يؤكد هذا التحول - مرة أخرى - الآثار التي يتركها تغير المناخ في الساحة. فالطقس السيئ زاد من الحوادث الصناعية، إلى جانب الخسائر المالية المباشرة له. والملاحظ أن هذه الكوارث الثانوية شملت كل المناطق في العالم. فلم يحدث مثلا أن وصلت درجة الحرارة في مدينة مثل لندن إلى 40.5 درجة مئوية، بينما تهطل الأمطار في عز الصيف في مناطق حارة. وبالأمس قالت السلطات الفرنسية: إن أكثر من 100 منطقة في البلاد تواجه انقطاعا كاملا للمياه بسبب الجفاف، معلنة حالة الطوارئ في بلد معروف بغزارة توافر الماء في كل مناطقه. ما يطرح سؤالا محوريا يتعلق بحجم المشكلات التي تواجهها الدول الفقيرة من جراء هذه الكوارث، إذا كان الأمر لا يحتمل حتى في الدول الغنية.
الخسائر الاقتصادية كبيرة حول العالم بفعل العوامل المشار إليها. فطبقا لشركة التأمين السويسرية الكبرى "سويس ري"، بلغت في النصف الأول من العام الجاري أكثر من 72 مليار دولار. وبحسب الشركة ذاتها، وصلت الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية في العام الماضي نحو 250 مليار دولار، بزيادة قدرها 24 في المائة مقارنة بـ2020. هذه الأرقام لا تشمل جانبا من خسائر الكوارث في دول لا تمتلك سجلات بهذا الخصوص، كما أنها لا تتمتع ببنى تحتية تضمن لها الصمود في وجه هذه الكوارث عموما.
وفي أوروبا وحدها تسببت فيضانات وقعت خلال شهرين فقط في خسائر بلغت 40 مليار دولار، وبأضرار مؤمنة بـ13 مليار دولار. وفي الأشهر الستة الأولى من هذا العام سجلت خسائر إجمالية للكوارث الطبيعية التي تتضمن الحوادث الصناعية التي يتسبب فيها الإنسان وصلت إلى 75 مليار دولار، وهذه الخسائر كانت الوحيدة المنخفضة عن مثيلاتها في النصف الأول من العام الماضي حيث بلغت 95 مليار دولار.
الصين واجهت خسائر بلغت 13 مليار دولار بسبب الكوارث الطبيعية في النصف الأول من العام الجاري، بحسب وزارة إدارة الطوارئ. وبسبب هذا الوضع ترتفع الفواتير في كل مكان، بينما تمضي أوضاع المناخ من سيئ إلى أسوأ، ما يعزز التوقعات بأن العالم سيشهد مزيدا من الكوارث الطبيعية، ولاسيما الثانوية منها في الأعوام القليلة المقبلة، وأن الأضرار لا تستثني أي دولة. وهذا ما دفع المشرعين الأوروبيين، إلى المطالبة بتغيير النمط الحالي المتبع في مواجهة الكوارث الطبيعية، ولاسيما على صعيد التعويضات.
الأمر نفسه ينسحب على كل الدول المتقدمة التي تعتقد بأن الوقت قد حان، لمواكبة أفضل لهذه المتغيرات الخطيرة. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن الكوارث العشر الأعلى التي وقعت في 2020 "عام جائحة كورونا" تسببت في خسائر بلغت 150 مليار دولار. ويبدو واضحا أن كوارث الطبيعة ستتصاعد في المستقبل، ولا يمكن للعالم إلا مواجهتها بأدوات أكثر قوة، بخفض وتيرتها عبر برامج حماية التغير البيئي، واستخدام التقنية وتطوير البنية التحتية وتوفير أقصى أنواع الدعم والمساندة للمتضررين المباشرين منها.

إنشرها