Author

حتى تكون الإمدادات متوازنة

|

التوصيات والتأكيدات، التي صدرت عن اجتماع أعضاء تحالف "أوبك +" الوزاري الذي عقد أخيرا، أشارت إلى ضرورة استغلال الطاقات الإنتاجية الحالية بحذر شديد عند الاستجابة للاضطرابات القوية في الإمدادات تعد كافية لتقدم تصورا واضحا عن حجم القلق في الأسواق، وما قد يترتب على ذلك من التأخر في تلبية الطلب المتزايد في الوقت المناسب. لكن مع ذلك تبقى السوق البترولية تحت تصورات مختلطة بين الواقعية التي تذهب نحو ضرورة التوازن بين الاستثمارات في كل قطاعات هذه السوق، سواء الطاقة المتجددة، أو الأحفورية، وأهمها قطاع النفط، وبين ضرورة الاستثمار والبحث عن تقنيات حديثة لضمان الالتزام باتفاقية باريس، وهذا التوازن مهم للغاية من أجل ضمان استقرار اقتصادي وسياسي عالمي، فارتفاع أسعار النفط بشكل كبير يضر بالنمو بكل الأطراف سواء المنتجين أو المستهلكين، حيث إن الأسعار المرتفعة تؤثر في الطلب في المستقبل.
لكن المشكلة اليوم أن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع الأسعار ليست بسبب تقليص الإنتاج من الدول المصدرة للنفط، بل المشكلة مركبة ما بين تراجع مستوى مخزونات البترول التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الذي تراجع في حزيران (يونيو) 2022، بـ163 مليون برميل عن الفترة نفسها من العام الماضي، وأقل بـ236 مليون برميل من متوسط الفترة بين عامي 2015 و2019، ومخزونات الطوارئ البترولية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها في أكثر من 30 عاما.
وقد سبق أن توقعت مجموعة "مورجان ستانلي"، في بداية هذا العام أن طاقة إنتاج النفط الاحتياطية العالمية ستنكمش من 6.5 مليون برميل في اليوم في الوقت الحالي، إلى مليوني برميل يوميا بحلول منتصف العام، وهذا في مجمله يضغط بشدة على الطلب العالمي، ويسهم في زيادة القلق والمضاربات على ارتفاع الأسعار، كما أن القيود المفروضة على الصادرات النفطية الروسية تسهم أيضا في نقص الإمدادات، وتزامن كل هذا مع تراجع فعلي في حجم الاستثمارات وهو ما عبر عنه أعضاء تحالف "أوبك +"، بشكل خاص، بقولهم: "إن عدم كفاية الاستثمارات في قطاع التنقيب والإنتاج، سيؤثر في توافر الإمدادات الكافية إلى السوق في الوقت المناسب".
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان قد أكد في انعقاد القمة السعودية - الأمريكية في يوليو الماضي على أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية وتقنياتها النظيفة، وتشجيع ذلك على مدى العقدين المقبلين لتلبية الطلب المتنامي عالميا، وضرورة طمأنة المستثمرين بأن السياسات التي يتم تبنيها لا تشكل تهديدا لاستثماراتهم لتلافي امتناعهم عن الاستثمار، وضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد العالمي. كما أشار ولي العهد إلى أن السعودية قادرة على زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا، وبعد ذلك لن يكون لديها أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج.
لا شك أن هناك قلقا متزايدا يعم العالم بشأن إمدادات النفط، وهذا يدفع الأسعار بقوة نحو الارتفاع، لكن تهدئة المخاوف لن تتم من خلال زيادة الإنتاج فقط. أعضاء تحالف "أوبك +" خلال اجتماعهم الوزاري الـ31 أوضحوا أن معدل التزام الدول الأطراف في اتفاق "أوبك +" بحصص الإنتاج بلغ 130 في المائة، منذ مايو 2020، مدعوما بإسهامات تطوعية من بعض الدول المشاركة، فالسوق النفطية تواجه مشكلة أكبر من زيادة الإنتاج، هي النقص الحاد في الاستثمارات في صناعة البترول في جميع مراحل سلسلة القيمة، بدءا من التنقيب والإنتاج، والمعالجة والنقل، وصولا إلى التكرير والتوزيع، وهذا يشمل الدول المنتجة للبترول غير الأعضاء في منظمة "أوبك" وغير المشاركة في اتفاق "أوبك +".
إذن، هي مشكلة عالمية، ومهما بلغت قدرة دولة مثل السعودية على رفع الإنتاج من النفط الخام، فإن مشكلات سلسلة القيمة الأخرى ستبقي الحال على ما هي عليه.
لقد أسهمت الدعوات غير المنضبطة لتقليص الاستثمارات في قطاع الطاقة الأحفورية، والاتجاه نحو الاستثمار المفرط في قطاع الطاقة المتجددة في رسم الصورة الحالية للأسواق النفطية، وهو ما حذرت منه السعودية مرارا، وأنه لا بد من مراعاة ظروف كل دولة، وأن تراخي الاستثمار في قطاع النفط قبل أوان ذلك، قد يقود إلى تضخم الأسعار بشكل تصعب السيطرة عليه.
اليوم وجنبا إلى جنب مع منظمة "أوبك"، فإن عديدا من المنظمات الدولية المعنية بالطاقة على قناعة تامة بأن مشكلة نقص الاستثمار هي المشكلة الأكثر خطورة، وتعي بأن هناك شيئا مقلقا بشكل كبير بشأن قدرة الصناعة بأكملها على إنتاج القدر نفسه من النفط، الذي لا يزال العالم بحاجة إليه، في ظل الجهود الدولية الواسعة والمتسارعة في مجال تحول الطاقة، وهذا يعزز المخاوف من شح الإمدادات، وانقطاعها في بعض الدول.

إنشرها