Author

كيف يتجاوز العالم مخاوفه؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يسود العالم تضخم لم نشهده منذ أربعة عقود، وعلى أثر ذلك قامت البنوك المركزية برفع سعر الفائدة للسيطرة على التضخم، وصل التضخم في أمريكا إلى 9.1 في المائة، وفي أوروبا إلى 8.6 في المائة، وفي أستراليا إلى 6.2 في المائة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن التضخم قد يصل في الاقتصادات المتقدمة إلى 6.6 في المائة، و9.5 في المائة في الدول الناشئة والنامية.
إن الآثار المترتبة من رفع سعر الفائدة، والاضطرابات المستمرة في سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار سلة المستهلكين، تجعل من سياسات رفع سعر الفائدة علاجا ضروريا ومؤلما على جميع الشعوب. رفع سعر فائدة الدولار يؤدي إلى تعاظم قوة الدولار الأمريكي، وهذا بدوره يقلص من تدفق الاستثمارات الأجنبية للدول الناشئة والنامية، وكذلك يؤدي إلى انخفاض النمو في أمريكا ودول العالم. ارتفاع سعر الفائدة بطبيعته يعد مضادا للنمو والاستثمار، لأنه يرفع تكلفة التمويل على الأفراد والشركات والحكومات، وستعاني الدول الهشة اقتصاديا انخفاض سعر صرف عملاتها وارتفاع تكاليف خدمة الديون السيادية.
إن رفع سعر الفائدة على الرغم من أهميته في ترويض الأسعار غير أن عواقبه وخيمة على الدول منخفضة الدخل، وربما أدى إلى اضطرابات اجتماعية وفوضى، كما حصل في سريلانكا، بسبب ارتفاع تكاليف الواردات ونقص السلع الضرورية، وكلما كانت الدول النامية مثقلة بالديون والفساد وضعف الإنتاجية والأموال الساخنة، كان الأمر أكثر خطورة.
مخاوف الركود العالمي تتزايد ولأسباب لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمتها بعد ارتفاع سعر الفائدة وأزمة الغذاء العالمية والحرب الروسية الأوكرانية والأزمة العقارية المتفاقمة في الصين، نشوء حرب بين أمريكا أو حلفائها مع الصين بسبب تايوان التي قد تعيق ثلث التجارة العالمية التي تمر عبر بحر الصين الجنوبي، وقد تتحول الدول الرئيسة إلى سياسات اقتصادية تشبه سياسات اقتصاد الحرب war economy للمحافظة على الموارد وتوزيعها بطريقة حمائية إذا ما تدهورت التجارة الدولية، بمعنى آخر كل تلك العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى تقلص الإنتاج العالمي ودخول العالم في حالة ركود عميق متناوب بين الدول أو كساد شامل إذا ما انزلقت الصين في حرب.
الكساد العظيم كان نتيجة لسلسلة من الانكماش الاقتصادي وتضخم معدلات الديون المتراكمة وانخفاض التجارة الدولية والإنتاج والتوظيف وتراجع قيمة الأصول، ولتجنب فرص تشكل تلك المخاوف، ولا سيما أن الظروف الحالية مهيأة مع الصراعات الجيوسياسية، على الدول الناشئة تحفيز التفاؤل وتطبيق النظرية الكينزية، كزيادة المشتريات الحكومية والعقود، إضافة إلى حشد الموارد المحلية لمعالجة عناصر التضخم المستورد، وإلغاء الضرائب مؤقتا لتحفيز الاستثمار بما في ذلك الدول الغنية بالطاقة، أما الدول الفقيرة فليس لديها سوى زيادة التعاون متعدد الأطراف، وتفعيل دور تعاون الاقتصادات الإقليمية القادرة على التعايش مع بعضها، ومنع خروج الأموال المتولدة من الفساد، لتعويض تآكل قيمة العملة، وإعادة هيكلة الديون الحرجة ومفاوضة الدائنين.
إنشرها