Author

الهوة بين الهوية الحقيقية والافتراضية

|
على الرغم من بساطة مفهوم الهوية، إلا أن تعريفها ليس بسيطا. والهوية عموما هي مجموعة من المعاني يختارها الإنسان للتعبير عن نفسه بناء على خبراته وتجاربه وتفاعله مع الآخرين. لذا فإن الهوية ليست ثابتة، لكنها تتطور وتتفاعل مع الواقع المتجدد الذي يعيشه الإنسان، انطلاقا من التاريخ الذي ينتمي إليه. وتتكون الهوية من بعض المقومات، مثل: الدين، اللغة، الثقافة، الجنس، الأرض، والتاريخ. وبناء على هويات الأفراد تتشكل الهوية الوطنية التي تتكون من مجموعة من القيم، والأخلاق، والعادات والتقاليد، والفنون، والأرض والتاريخ، لتمثل في النهاية سمات وخصائص الهوية، التي يتميز بها كل شعب عن غيره من الشعوب. لقد برزت فكرة هذا المقال في ذهني من خلال اطلاعي على كتاب جميل عن الهويات الافتراضية في المجتمعات العربية للكاتب عبدالحكيم أحمين.
وعلى أي حال، فإن الهوية الافتراضية انعكاس للهوية الحقيقية عندما يكون هناك تقارب فيما بينهما، لكن في معظم الأحيان يكون الاختلاف بينهما كبيرا. وتتيح الهوية الافتراضية فضاء أرحب لبعض الناس بعيدا عن القيود الموجودة في الواقع، لكن الاختلاف فيما بينهما يعكس ازدواجية في الشخصية أو انفصاما بين الواقع الحقيقي والافتراضي.
جدير بالذكر أن الهوية الشخصية هي تصور الشخص لذاته الذي يميزه عن غيره من الأفراد، ويتشكل هذا التصور بتأثير الحوادث والتجارب والعلاقات البشرية، إضافة إلى العوامل البيولوجية، وتنقسم ذات الإنسان إلى: الذات المادية؛ أي الجسدية. والذات الاجتماعية؛ أي الأدوار التي يمارسها. والذات العارفة؛ أي الشعور بذات مستقلة في أسلوب العمل والتفكير. وتتنوع الهوية إلى: الهوية الطائفية، والهوية الجمعية، والهوية الوطنية، والهوية العربية، والهوية الإسلامية. ويقابل ذلك أو يتفاعل معه ما يعرف بالهوية الافتراضية، وهي السمات التي يكونها المستخدم كصلة بين الشخصية الحقيقية من جهة، والشخصية التي يقدمها للمستخدمين الآخرين للشبكة الافتراضية عموما ومواقع التواصل خصوصا، أي إنها الشخصية الظاهرة للمستخدمين التي يتم إنشاؤها من قبل المستخدم. وتزداد الهوية الافتراضية أهمية مع تغير مفهوم المجتمع إلى مجتمع افتراضي أوسع يتحرر من الارتباط بالسياق الزمني أو المكاني، ويقوم على مشتركات اجتماعية وثقافية، وبالتالي ينكمش دور المؤسسات التقليدية مثل الأسرة، والمدرسة، والمسجد، في إنتاج المعرفة وتكوين القيم، ومن ثم التأثير في السلوكيات الاجتماعية.
وبالتأكيد، فإن الهوة أو الاختلاف بين الهوية الحقيقية والهوية الافتراضية يعكس عدم رضا أو قناعة الشخص عن هويته الحقيقية، ومحاولة الهروب بعيدا عنها، أو رغبة التحرر من القيود والعيش بهوية مثالية أو قريبة لذاته ومشاعره الداخلية التي لا يرغب في إظهارها في واقعه المحلي المحيط به، ومن ثم تزداد الازدواجية أو النفاق الاجتماعي. لكن مهما حاول البعض التخفي وراء هوية افتراضية مختلفة عن واقعه الحقيقي بعيدا عن الأنظار، فإن ذلك لن يستمر طويلا مع التطور التقني المذهل الذي سيتمكن قريبا من التعرف على شخصه الحقيقي، فمع التطور التقني السريع لم يعد الأمر يعتمد على بصمات الأصابع، أو خط اليد، أو تحليل الحمض النووي، أو تحليل الصوت، أو بصمة العين، بل وصل الأمر إلى تطوير ما يعرف بـ"بصمة النص"، وذلك من خلال تحديد السمات الكتابية، باستخدام التحليل العميق للبنية المخفية للكتابة والقائمة على كيفية استخدام الكلمات وبناء الجمل، ما يسهم في حفظ الحقوق الفكرية، والحد من نشر معلومات زائفة أو كيدية، ويزداد الاهتمام ببصمة النص مع تخلي كثير من الناس عن الكتابة بخط اليد.
وأخيرا، هناك نقص واضح في الدراسات العلمية للهوية الافتراضية وتأثيرها في السلوك الاجتماعي والعلاقات البشرية داخل المجتمع، ومن ثم في تشكيل الهوية الجمعية والوطنية.
إنشرها