Author

الحاجة إلى «التحديث»

|
أثناء حديث عابر مع أحد اليافعين عن الطقس في بعض مدننا الساحلية ومقارنة الرطوبة بينها، قال في سياق كلامه إن مدينة ما، هي الأعلى في الرطوبة وأنك تحتاج فيها إلى تحديث قميصك مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم.
هو لم يقل "تحديث قميصك" إنما قال update your shirt، وعلقت كلمة التحديث في ذاكرتي، لأنها تعني التحديثات الدائمة لأجهزة وبرامج الحاسب، والتطبيقات، والهواتف الذكية، وهذه الأخيرة بات قبولها أو استيعابها للتحديثات عذرا في استنزاف جيوب المستهلكين.
دخول هذه المصطلحات إلى لغة أو محكية الشباب مفهوم، وقبولنا نحن الجيل الأقدم منهم واجب يقتضيه التكيف مع المرحلة أولا، واستثمار ذلك في تقوية علاقاتنا بالأبناء والأحفاد، فالمتأمل يجد أن التواصل الشخصي من شخص إلى آخر لم يعد حكرا على الحديث وجها لوجه، أصبح معظمه من خلال وسيط رقمي بات اليوم مركزيا في شكل العلاقات، وتكونها، وتأثيراتها.
في العصر الحالي المشتملة معظم جوانب الحياة فيه على التكنولوجيا والرقمية عدد هائل للقنوات الجديدة والأدوات المتاحة للتواصل، ما أثر في اللغة المتداولة، وما يؤثر في اللغة سيؤثر بالضرورة في الثقافة، وبالتالي في المجتمع.
لا أنكر أنني كنت أمتعض من ذلك، أقصد إقحام المصطلحات الغريبة على جسد اللغة أو اللهجة، لكني مع الوقت، والاحتياج لمد جسور أقوى مع من أحب من الصغار في عائلتي ومحيط أصدقائي بدأت التأقلم، التأقلم الذي لم ينزع الخوف والقلق على ثقافتي ولغتي من وجداني، لكنه أعطاني الأمل أن رغبتي في التأثير الإيجابي تربويا وعائليا تحتاج إلى الاقتراب، ولا اقتراب من أحد دون استيعاب لغته وثقافته، وأساليب تواصله، بل أساليب حياته الجديدة.
بعض التطبيقات ومواقع اللعب الجماعي عن بعد باتت كنوع من "البيت" لشريحة كبيرة من الشباب، البيت الذي له قوانين أولها موت المسافة إن صحت العبارة، فإذا دخل مثلي إلى أحد هذه البيوت لتفقد بعض ساكنيها ممن يعنيهم أمره، فلا بد أن يعي ذلك، وأنه لا يمكنه التعامل إلا وفق قوانينهم، وبالتأكيد لغتهم ومفاهيمهم.
في هذه البيوت "الافتراضية" تكون الروابط بين ساكنيها أو المتمتعين بها لا تمت للمكان والفيزياء بصلة، فرابطة المكان قد تم تفتيتها مع إلغاء المسافة والبعد الفيزيائي لمصلحة روابط أخرى مثل مصالح الارتباط والمتابعة، أو مصالح اللعب، وكل هذا يفرض لغة ومصطلحات تلائم كون هؤلاء يعتقدون أن هذه العوالم هي بالفعل "أماكن" يعيشون فيها، ويتواصلون، ويلعبون، ويتقاتلون.
أنا أحتاج إلى تحديث كثير من المفردات، ماذا عنك؟

اخر مقالات الكاتب

إنشرها