default Author

العقوبات الاقتصادية والصدمات العالمية «2 من 3»

|
خلال فترة الثلاثينيات هي العقد الوحيد خلال القرن الماضي الذي شهد عقوبات مماثلة ضد دول من الوزن نفسه في الاقتصاد العالمي. فخلال ستة أسابيع من غزو بينيتو موسيليني لإثيوبيا في تشرين الأول (أكتوبر) 1935، فرضت عصبة الأمم مجموعة من العقوبات ضد إيطاليا، وهي ثامن أكبر اقتصاد على مستوى العالم. واشتركت في تنفيذ العقوبات 52 دولة من الدول ذات السيادة التي بلغ عددها آنذاك 60 دولة على مستوى العالم .
وتضمنت هذه التدابير على مستوى تنفيذ العقوبات، حظر الأسلحة وتجميد المعاملات المالية، ومنع تصدير عدد من المواد الخام الضرورية للإنتاج خلال فترة الحرب، غير أن التدبير الأكثر حدة على الإطلاق كان حظر جميع الواردات من إيطاليا. وأمكن ذلك بسبب العجز الهيكلي في الحساب الجاري لإيطاليا الذي جعل هذا الحظر أكثر ضررا لإيطاليا منه للدول التي شاركت في تنفيذ العقوبات.
خلال الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) 1935 إلى حزيران (يونيو) 1936، تراجع الإنتاج الصناعي في إيطاليا 21.2 في المائة، كما انخفضت الصادرات خلال الأشهر الخمسة الأولى من تنفيذ العقوبات 47 في المائة قبل أن تستقر عند نحو ثلثي مستوى ما قبل العقوبات. وأدى الحظر الذي فرضته عصبة الأمم على الواردات من إيطاليا إلى زيادة الأسعار الدولية للمنتجات الغذائية، مثل اللحوم والفاكهة والزبدة، والمواد الخام والمنتجات المصنعة، مثل الصوف والمنسوجات والمنتجات الجلدية. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن العقوبات لم تنجح في وقف الغزو الإيطالي لإثيوبيا، وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا، وهما أول وثالث أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، لم يكونا من البلدان الأعضاء في عصبة الأمم ولم يشتركا بالتالي في تنفيذ العقوبات. ونتيجة لذلك، استمرت إيطاليا في استيراد الفحم والنفط، ونجحت في التصدي لصعوبات شديدة طوال ثمانية أشهر.
وفي أواخر الثلاثينيات، كانت اليابان سابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم وأحد البلدان التجارية التي فاقت إيطاليا في انفتاحها. وخلال الفترة ما بين صيف 1939 وآب (أغسطس) 1941، اتفق عدد متزايد من الدول الغربية الراغبة في كبح الغزو الياباني للصين على فرض عقوبات أدت تدريجيا إلى تراجع عدد الشركاء التجاريين ومع بداية الحرب العالمية الثانية، حيث فرضت الإمبراطورية البريطانية ومستعمراتها وغيرها من الأراضي الواقعة تحت سيادتها، قيودا على صادرات المواد الخام الاستراتيجية وجعلت الأولوية لاستخدامها بين الأراضي التابعة للإمبراطورية.
ومع نهاية العقد، أصبحت اليابان أكثر اعتمادا من ذي قبل على واردات المواد الخام "ولا سيما النفط والحديد الخام والنحاس وخردة الحديد" مقارنة بالولايات المتحدة، وهي الاقتصاد الأكبر على الإطلاق في منطقة المحيط الهادئ الذي ظل على الحياد. واستجابة لعمليات الغزو التي قامت بها اليابان في عامي 1940 و1941، صعدت الولايات المتحدة تدابيرها الاقتصادية تدريجيا وصولا إلى فرض حظر كامل على النفط في نهاية المطاف، وذلك بالاشتراك مع الإمبراطورية البريطانية وهولندا. كذلك قامت بتجميد احتياطيات الين المحتفظ بها في الولايات المتحدة، وقرب نهاية عام 1941، تراجعت تجارة اليابان 20 في المائة إلى 25 في المائة خلال 18 شهرا فقط. وانهارت قدرتها على الوصول إلى الواردات الأساسية، ما دفعها إلى الهجوم على مستعمرات الولايات المتحدة وأوروبا في جنوب شرق آسيا للحصول على المواد الخام اللازمة لاستمرار آلة الحرب. وبينما تحملت إيطاليا وطأة الحظر المفروض على صادراتها، الذي أدى إلى الحد من قدرتها على كسب النقد الأجنبي، تعرضت اليابان لضربة أكثر حدة نتيجة تجميد أصولها الأجنبية ومنعها من الحصول على واردات حيوية من شريكها التجاري الرئيس الوحيد المتبقي... يتبع.
إنشرها