Author

تحفيزات وتطوير تشريعات

|

المتتبع لتنظيم عمل الشركات في السعودية يرى أنه قد صدر أول نظام مختص لها في عام 1964، وظل يخدم احتياجات الشركات العاملة في البلاد لأكثر من 50 عاما، وكان يتم التعديل عليه من فترة لأخرى بحسب التطورات المحدودة التي كان يشهدها دورها في الاقتصاد السعودي، وكانت الأشكال القانونية في ذلك النظام محصورة في نوعين رئيسين هما، شركات الأموال، وشركات الأشخاص، وتنحصر موضوعات النظام في ضمان حقوق الغير، وحدود الضمان.
وإذا ألقينا نظرة فاحصة، فإن النظام في تلك الفترة يعكس التطورات الاقتصادية، فلم تكن الشركات الحكومية ظهرت بهذا الشكل الذي تمارسه الآن، ولم تكن مفاهيم الحوكمة أخذت حيزا كما هو الآن، والسوق المالية بما تتضمنه من أنواع وصكوك جديدة قد تطورت إلى هذا المستوى، ومع التطورات التي شهدها العالم أجمع منذ عام 2000 وظهور قانون ساربينز أوكسلي Sarbanes-Oxley SOX، الذي يوصف بأنه قانون أمريكي يوجب على الشركات أن تضمن حوكمة فاعلة تحفظ حقوق أصحاب المصلحة، وأنظمة رقابة داخلية أكثر صرامة.
ومن هنا، أصبح مفهوم حقوق أصحاب المصلحة، ودور مجلس الإدارة، ولجان المجلس، أكثر حضورا، ولذلك تم إصدار نظام جديد للشركات لتغطية هذه القضايا التي لم يكن بالإمكان مقابلتها من خلال تعديل مواد فقط، فجاء نظام الشركات لعام 2015، وأخذ النظام في ذلك الوقت بكل القضايا الحديثة في عالم الشركات في العالم، لكنه أتى في وقت كانت المملكة على أعتاب مرحلة جديدة بالكامل، وتحول اقتصادي كبير مع تدشين رؤية المملكة 2030، وما تضمنته من دور واسع للقطاع الخاص، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
كما شهدت السعودية تطويرا واسعا في أنظمة عديدة، من بينها السوق المالية التي عاشت مرحلة فتح أسواق جديدة، مثل سوق نمو للشركات الصغيرة والمتوسطة وشركات النمو، وكذلك توسعت سوق أدوات الدين، إضافة إلى ظهور أنظمة حديثة ومهمة جدا لم يشهدها الاقتصاد السعودي من قبل، أبرزها نظام الإفلاس.
ولأن نظام الشركات يعد حجر الزاوية في عمل هذه الأنظمة، وأعمال السوق المالية، وقدرة الشركات على طرح الأدوات المالية الحديثة، ومن بينها خيارات الأسهم، فقد أشار الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة إلى أن تطوير نظام الشركات يواكب كل التوقعات والتحديث الذي يعيشه الاقتصاد السعودي، وأنه حظي في جميع مراحله باهتمام كبير وشخصي من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لإيمانه بأهميته، ودوره في تمكين قطاع الأعمال، وأثمرت الجهود عن صدور قرار مجلس الوزراء بنظام جديد للشركات تم تطويره في وقت قياسي مقارنة بالوقت الطويل الذي أخذه نظام الشركات عام 2015. وكان لدعم وتوجيهات ولي العهد دور بارز في الإنجاز خلال عامين ونصف العام تخللتها مراحل التقييم، ودراسة الممارسات الدولية، والتحليل، وصياغة السياسات ومشروع النظام، ودراسته في هيئة الخبراء ومجلس الشورى، ليكون محفزا للمنظومة التجارية وتنميتها، ويمتاز بالمرونة العالية لحماية الشركات، وتمكين القطاع الخاص للإسهام بشكل رئيس في تحقيق أهداف الرؤية. وإضافة إلى كل المزايا التي تضمنها نظام الشركات عام 2015، المتمثلة في تطوير الحوكمة ودور مجلس الإدارة، فإن النظام الجديد يعزز من آليات استدامة الشركات، فهو يمكن من إبرام ميثاق ينظم الملكية في الشركة العائلية وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وتوظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتخارج وغيرها، لضمان تحقيق الاستدامة لتلك الشركات.
والنظام يستهدف إزالة عديد من القيود في جميع مراحل التأسيس والممارسة والتخارج، وسمح للشركة ذات المسؤولية المحدودة بإصدار أدوات دين أو صكوك تمويلية قابلة للتداول، فقد أثبتت الدراسات أن عدم القدرة على الوصول إلى التمويل في الوقت المناسب، من أهم أسباب ضعف مؤشرات الاستدامة في الشركات. وشهد العقد الثاني من هذا القرن تقلبات اقتصادية حادة، بسبب الأزمة المالية في بداية العقد، والأزمة الصحية في نهايته، فإزالة القيود عن الشركات أسهمت في الوصول إلى التمويل، خاصة للشركات ذات المسؤولية المحدودة. كما سمح النظام بإصدار أنواع مختلفة من الأسهم بفئات وحقوق أو امتيازات أو قيود متفاوتة، وإمكان إصدار أسهم تخصص للعاملين لجذب الكفاءات وتحفيزهم، كما أتاح توزيع الأرباح مرحليا أو سنويا بحوكمة تضمن حصول دائني الشركة على حقوقهم.
ويتميز النظام الجديد بحرصه المباشر على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بما يعكس التطور في الاقتصاد السعودي. ولقد حظي هذا النوع من الشركات باهتمام في رؤية المملكة، فتم إنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء بنك مختص لتمويل هذا النوع من النشاطات الاقتصادية. وبقي نظام الشركات السابق دون إشارة إلى المنشآت المتوسطة ومتناهية الصغر، ما يعوق الاعتراف بها نظاما، لكن مع التعديل الجديد تم تطوير متطلبات وإجراءات خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر فمنح مرونة لتضمين عقود تأسيس الشركات أو أنظمتها الأساسية أحكاما وشروطا خاصة، واستحدث شكل جديد للشركات باسم "شركة المساهمة المبسطة" يلبي احتياجات ومتطلبات ريادة الأعمال ونمو رأس المال الجريء، كما أعفاها من متطلب مراجع الحسابات.
ومن أهم التطورات في النظام الجديد إضافة فصل للشركات غير الربحية التي عرفها بأنها التي تتخذ شكل شركة المساهمة ولا تهدف إلى تحقيق ربح يعود على الشركاء أو المساهمين فيها، وجاءت على نوعين، وهي غير الربحية العامة، وغير الربحية الخاصة، وهذا النوع سيكون بمنزلة ذراع استثمارية للارتقاء بالقطاع الثالث، وتحفيز المسؤولية الاجتماعية، ويسمح لها بتحقيق عائد عن أعمالها وإنفاقه على الأغراض غير الربحية. ولا شك أن نظام الشركات الجديد يعد تحولا استراتيجيا في مفهوم الشركات، وانعتاقه من قوالبه السابقة، مع المحافظة على الأشكال القانونية للشركات، ولم يكن لهذا النظام أن يظهر بهذا الشكل الحديث دون وجود الرؤية التي رسمت المستقبل الاقتصادي، ودور كل قطاع وكل شركة فيه.

إنشرها