Author

تقنيات التعليم .. الاستثمار والجودة

|
انتشرت منظومة التعليم الإلكتروني على شكل واسع في جميع أنحاء العالم خلال الفترة الأخيرة، في ظل التطور التقني المتسارع، وأصبحت ركنا مهما في البيئة التعليمية، وتحرك كثير من الدول في هذا الاتجاه للاعتماد عليها في تطوير أدواتها التعليمية في كل المراحل، خاصة الجامعية، وشهد هذا الجانب فتح مجال كبير للشركات المختصة واقتحم المستثمرون أبواب عالم التعليم الإلكتروني.
ومع انفجار جائحة كورونا عام 2020، واضطرار جميع الدول إلى فرض إجراءات تقييد الحركة، بلغت حد الحجر لعدة أشهر متوالية، اضطر العالم إلى الاعتماد على العمل عن بعد لدفع الحراك الاجتماعي والاقتصادي العام قدر الإمكان إلى الأمام.
وكان قطاع التعليم من أكثر الميادين التي استفادت من استمرارية الحراك خلال فترة الجائحة، ولا سيما أن المدارس والجامعات تمثل في النهاية بؤرا صالحة لانتشار الوباء بسبب التجمعات، وفي بعض الأحيان الاكتظاظ. شيئا فشيئا بدأ ما يمكن وصفه بمرحلة التعليم عن بعد، وهذا النوع من التدريس ليس جديدا في الواقع، ويعود تاريخيه - وإن بأدوات مختلفة - إلى عام 1729، عندما كان فيليب كاليب يقدم دروسا أسبوعية عبر صحيفة "بوسطن جازيت" في الولايات المتحدة. وفي عام 1922 توسع التعليم عن بعد عبر الإذاعات التي بدأت تنتشر بقوة، ليدخل مرحلة التلفزيون، كبرامج تعليمية أو حتى قنوات مخصصة للتعليم.
ومع الانتشار الواسع للإنترنت في بداية تسعينيات القرن الماضي، صارت دائرة التعليم عن بعد أوسع، مع الميزة التفاعلية التي تمثل الحجر الأساس في التعليم عموما، أي أن هذا النوع من التعليم كان موجودا بأشكال مختلفة، بعضها كان محدودا للغاية، لكنه جلب تسهيلات في مسار التعليم. وحتى قبل اضطرار العالم إلى إغلاق المدارس والجامعات ومراكز التعليم المختلفة، كان التعليم المتطور عن بعد حاضرا على الساحة، حيث استفادت أعداد كبيرة من الطلاب حتى في المناطق النائية من الحصول على الحصص التعليمية من جامعات عدة، بما فيها مؤسسات تعليمية غربية عريقة، فيما خفض ذلك أيضا تكاليف تلقي العلوم على شرائح من الناس، خصوصا في بعض الدول النامية، فالطالب الذي كان مضطرا للإنفاق على معيشته خارج بلده أثناء فترة التعليم، ما كان عليه إلا أن يسافر خلال فترة الامتحانات.
ومع ازدياد قوة البنية التحتية للشبكة الدولية، اتبعت أنظمة شملت حتى تقديم الامتحانات بأعلى معايير الشفافية، وهذه البنية تمثل أساس التعليم عن بعد بالطبع. ومن هنا، تظهر أهمية بناء القاعدة الرقمية الصلبة في الدول التي لا تزال تعاني مشكلات فيها، بل إن هناك دولا تعاني غيابها تماما محليا.
ولتحسين جودة التعليم الإلكتروني لا بد من الحرص على تحسين الأدوات، والعناية بالخدمات التعليمية، من خلال المتابعة المستمرة لبيانات المستخدمين على المنصات التعليمية الإلكترونية، وحلقات التغذية الراجعة، والاستعانة بخبراء من الشركات المختصة بهذا النوع من التعليم، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المضمار.
وتسهيلا لدخول المستثمرين في قطاع التعليم الإلكتروني وجذبهم وإيجاد بيئة صالحة للعمل، وقعت وزارة الاستثمار والمركز الوطني للتعليم الإلكتروني خلال الفترة الماضية مذكرات تفاهم بهدف تطوير التعاون بين الطرفين في منظومة التعليم الإلكتروني ومنظومة الاستثمار فيما يصب في تنمية القدرات البشرية، ودعم وتحفيز الابتكار في الاستثمارات المتعلقة بالتعليم الإلكتروني في السعودية، وسيسهم ذلك في تشجيع الشركات الخارجية في قطاع التعليم الإلكتروني للاستثمار ونقل مكاتبها الإقليمية للسعودية، ودعم القوائم الإرشادية لمزودي الخدمات في القطاع بمشاركة مجموعة من الجهات الدولية الرائدة، ما يسهم في إحداث نقلة نوعية في جودة الخدمات المقدمة.
وتتسع دائرة التعليم الرقمي والتعليم عن بعد بصورة سريعة للغاية، وذلك بعد أن أسهمت الجائحة في لفت الأنظار إلى أهمية هذه الأداة المحورية، ما ساعد على طرح التحديات والمعوقات الخاصة بها في ساحات مختلفة من هذا العالم، فضمان استمرارية التعليم في حال حدوث كوارث بصرف النظر عن طبيعتها، يعد في حد ذاته انتصارا من جانب هذه الدولة أو تلك، ودعما لمسار التنمية والبناء التعليمي، فهذا الأخير مرتبط بسوق العلم كما هو متصل ببناء شخصية متلقي العلم. لكن الأهم من ذلك أن التعليم عن بعد أثبت نجاعته في كل الأوقات والظروف، لأنه - ببساطة - يصل إلى قاعدة واسعة بلا حدود على الساحة العالمية، تشمل كل المجتمعات بصرف النظر عن إمكاناتها المادية، أو ظروفها المعيشية، والمهم البحث عن المعايير والأدوات المتطورة لتقديم نموذج إلكتروني تعليمي ذي جودة عالية لتحقيق الأهداف التنظيمية المطلوبة.
إنشرها