Author

اقتصاد البساطة

|
في ظل الحضارة المادية التي تعيشها المجتمعات في الآونة الأخيرة انحسرت الحياة الجميلة التي تتمثل في البساطة وعدم التكلف حتى كادت أن تختفي. جمال الحياة يكمن في عدم التصنع والتكلف وأن يحيا الإنسان في راحة بال وانشراح صدر وفق ما يمتلكه من مقومات. كان الناس يعيشون حياة اجتماعية تمثل البساطة أساسها بسبب ما يصحبها من عفوية وتصرف على السجية بعيدا عن المباهاة والتكلف. يحضرون مناسبات بعضهم بعضا حتى دون دعوات إذا ما علموا أن أحدهم لديه مناسبة سعيدة. يتزاور الأقارب والجيران باستمرار دون حاجة إلى مواعيد مسبقة. أفراح الزواجات كانت ممتعة وجميلة وصادقة تشوبها العواطف الدافئة بين أهل الفرح وضيوفهم. الآن إلا ما رحم الله نرى التكلف المبالغ فيه الذي أدى إلى فقدان الروحانية الجميلة التي كانت تسود تلك الأيام.
الآن نرى المبالغة في استئجار أفخر القاعات والمغالاة في المهور وفي الكماليات المصاحبة للأفراح، ما أثقل كواهل الأفراد وأسرهم. قد تجد أسرة صغيرة على شاطئ البحر تحفها السعادة من كل جانب على حين أن بعضا ممن يمتلكون شواطئ خاصة يفتقدون تلك السعادة، وهنا فتش عن البساطة.
بيت متواضع وجميل يخلو من الزخارف والديكورات تجد أهله في هدوء وراحة بال يفرحون بمن يزورهم كبيرا كان أم صغيرا، وما إن يتيسر لهم الانتقال إلى بيت كبير مليء بالأثاث الفاخر وبالتحف الزجاجية والكريستال حتى يحملوا هم أي زائر لهم، خصوصا إذا كان معه أطفال. إن هروب كثيرين للاستراحات والمخيمات هو في حقيقته بحث عن العودة إلى الحياة البسيطة. في التراث العربي قصة مشهورة لامرأة تدعى ميسون الكلبية كانت تعيش حياة البادية ببساطتها ثم إنها تزوجت بأحد الأمراء الذي أسكنها قصرا كبيرا ووفر لها كل ما تحتاج من الخدم والحشم، إلا أن كل ذلك لم يمنعها من أن تتطلع إلى العودة إلى حياة البساطة في بادية نجد، فأنشدت أبياتا تقول فيها:
ومما يؤسف له أن المدنية الحديثة باتت تميل دائما إلى تعقيد الحياة. وبالطبع ليس المقصود أن نعود إلى الحياة القديمة وإنما المقصود أن يتيح الإنسان للبساطة أن تجد لها مكانا في قلبه ووجدانه.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها