Author

جولة توثيق التوافق

|

تضطلع المملكة العربية السعودية بدور مؤثر وقوي في خدمة قضايا العالم العربي، ويعد ذلك الدور قياديا ومحوريا جسدته المواقف المشرفة، والسياسات الحكيمة، والمبادرات الرائدة التي تبذلها صونا للأمن القومي العربي، وتصديا للتدخلات السافرة في شؤونها، والإسهام في المشاريع التنموية الاقتصادية والإنسانية. وتنعكس كل هذه المواقف من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، التي ترسخ تعزيز العمل العربي المشترك في كل المجالات.
وتأتي جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تشمل كلا من مصر، والأردن، وتركيا، داعمة استراتيجية واسعة النطاق تخص السعودية والمنطقة والساحة الدولية أيضا، كما أنها تأتي ضمن حراك المملكة في كل الاتجاهات لدعم علاقاتها المتعددة، والمساهمة الدائمة في صياغة سياسات تعزز الأمن، والسلم الدوليين، سواء من خلال المنابر الدولية التي تمثل محورا رئيسا فيها، أو عبر العلاقات الثنائية المباشرة. كل حراك سعودي بصرف النظر عن جغرافيته يصب في النهاية في المصلحتين الإقليمية والدولية، والجولة الحالية تبقى جزءا أصيلا من السياسات السعودية الواضحة، والثابتة محليا، وإقليميا، ودوليا، وهي تضم دولا تجمعها أيضا شراكات استراتيجية مع السعودية، ووحدة المصير المشترك.
مصر المحطة الأولى في جولة ولي العهد، حيث أثمرت زيارته الرابعة له خلال خمسة أعوام، توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 29 مليار ريال، شملت عددا من القطاعات من بينها الطاقة المتجددة، والبترول، والبنية التحتية، والأمن السيبراني، وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة. وهذه الاتفاقيات دعمت تلقائيا مشاريع مجلس التنسيق السعودي - المصري الذي أسس في الواقع لإيجاد استراتيجية شراكة، أنتجت منذ انطلاق المجلس عام 2015، نحو 70 اتفاقية وبروتوكولا، ومذكرة تفاهم بين المؤسسات الحكومية في كلا البلدين الشقيقين، فضلا عن الاستثمارات السعودية في مصر التي بلغ حجمها حتى الآن أكثر من 30 مليار دولار، عبر ستة آلاف شركة.
كل هذا دفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى الارتفاع العام الماضي 88 في المائة ليصل إلى 14.5 مليار دولار، فيما بلغ حجم إجمالي هذا التبادل 45.9 مليار دولار في خمسة أعوام. الشراكة الاستراتيجية هذه تسهم بالطبع في توسيع نشاطات الرياض والقاهرة على المستويين الإقليمي والدولي. كل هذا يأتي ضمن حرص السعودية على دعم مصر في مختلف المجالات، وتعزيز أمن هذا البلد واستقراره نظرا إلى أهميته الجغرافية والتاريخية، والاستراتيجية، فنمو العلاقات ووصولها إلى مستويات مرتفعة، مع مواصلة تعميقها وتوسيع نطاقها من حيث الشراكات الاقتصادية المختلفة المدعومة بالتطابق في السياسات العامة، لن يسهم فقط بعوائد عالية الجودة للطرفين بل للمنطقة والعالم أجمع. وهذه نقطة مهمة جدا في عالم متغير يشهد اضطرابات، وخلافات، وانقسامات هنا وهناك. ويعد التنسيق الدائم والمستمر في المشاريع الاقتصادية والمواقف الأساسية بين الرياض والقاهرة نموذجا حيا ومثاليا في تقوية العلاقات العربية - العربية، ودعم قوة العرب في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مستوى العالم.
باختصار تحقق هذه الشراكة الاستراتيجية المتنامية دائما، الأمن والاستقرار والتنمية والسلام برؤية موحدة لمصلحة الدولتين والشعبين الشقيقين، وللأمتين العربية والإسلامية، وتدعم بصورة مستمرة كل الجهود لتمكين الأمن والسلم الدوليين، خصوصا في فترة تشهد أزمة اقتصادية عالمية، وحربا في قلب أوروبا هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، وتوجهات حمائية متصاعدة صارت حاضرة على ساحات بعض الدول المتقدمة المؤثرة في الساحة الدولية.
زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للأردن، تحمل معها أيضا خاصيتها الاستراتيجية العميقة، الآتية من زخم العلاقات التاريخية التي تجمع الرياض بعمان، فالأردن كان دائما محورا رئيسا للسعودية ضمن إطار علاقاته العربية والإقليمية عموما، ما رفع حجم الاستثمارات السعودية في هذا البلد إلى 13 مليار دولار، وهي تشهد نموا متواصلا في كل الميادين بما فيها النقل، البنية التحتية، الطاقة، القطاع المالي والتجاري، وقطاع الإنشاءات السياحية وغير ذلك، ففي عام 2017 أنشأت شركة الصندوق السعودي - الأردني للاستثمار خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لعمان، ما شكل قوة دفع أخرى لعلاقات تاريخية مع بلد عربي شقيق. عندما تحدد السعودية استراتيجية كهذه تجاه دولتين كمصر والأردن، هي في الواقع نابعة من استراتيجية شاملة تستهدف كل الدول العربية، من موقع السعودية ودورها الكبير، فهي تسعى إلى أمن وازدهار واستقرار المنطقة، وتعمل على ذلك بكل الأدوات المتاحة لها.
جولة الأمير محمد بن سلمان التي تنتهي بزيارة تركيا، تعكس في الواقع مرة أخرى المكانة التي تتمتع بها السعودية على الساحة الإقليمية، وأيضا موقعها المميز ضمن دول مجموعة العشرين وما تقدمه من مبادرات حية ونشطة، فالعلاقات مع أنقرة شهدت سلسلة من القفزات النوعية، وهي أيضا تدخل ضمن نطاق محورية السعودية وتركيا في المسار السياسي والأمني والاقتصادي الدولي.
من خلال المحطة الأولى لجولة ولي العهد يتبين مدى التفاهم والتنسيق في المشاريع الاقتصادية التنموية والتجارية والاستثمارية، خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تواجهها معظم دول العالم، إضافة إلى التضامن، والتعاضد في المواقف السياسية، والخروج بقرارات عربية، يكون لها صدى كبير.

إنشرها