Author

تبعات رفع أسعار الفائدة الأمريكية

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
قام البنك المركزي السعودي برفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء بمقدار نصف نقطة مئوية من 1.75 إلى 2.25 في المائة، وكذلك قام برفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس بالقدر نفسه من 1.25 إلى 1.75 في المائة. هذا يعني أن معدل "الريبو العكسي" السعودي مطابق لمعدل التمويل الفيدرالي الأمريكي الذي تم رفعه هذا الأسبوع بمقدار ثلاثة أرباع النقطة المئوية، وسط تخوف وقلق شديدين من وقوع الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود.
ضريبة ربط عملة أي دولة بالدولار هي أن السياسة النقدية المحلية ستكون محكومة بشكل كبير بسياسة الفيدرالي الأمريكي، والمشكلة تأتي في اختلاف الأوضاع الاقتصادية بين الدولتين، حيث يحدث أحيانا ألا يكون القرار الأمريكي مناسبا للدولة المرتبطة عملتها بالدولار. هناك أكثر من 65 دولة مرتبطة عملتها بالدولار بشكل أو بآخر، وجميع هذه الدول تتأثر بقرارات "الفيدرالي الأمريكي"، ما يعني ضرورة رفع أو خفض أسعار الفائدة لديها بالتزامن مع أسعار الفائدة الأمريكية، وإن لم تستطع القيام بذلك فستضطر هذه الدول إلى تعديل سعر الصرف أو اللجوء إلى اتخاذ إجراءات للحد من تحركات رؤوس الأموال من الدولة وإليها، وغيرها من طرق وحيل للسيطرة على أوضاعها النقدية.
الرفع الحاد لأسعار الفائدة الأمريكية هذه المرة يأتي والناتج المحلي الإجمالي السعودي يمر بحالة ارتفاع قوي، بلغ في الربع الأول من 2022 نسبة 9.9 في المائة، بينما الناتج الأمريكي يتراجع في الربع الأول ويهدد بوقوع ركود اقتصادي لهذا العام. ورغم ذلك، فإن الاقتصاد السعودي سيتأثر في المرحلة المقبلة تزامنا مع تحركات الاقتصاد الأمريكي.
بوادر تلك التأثيرات في الاقتصاد السعودي نراها حاليا في ارتفاع معدلات الفوائد على القروض الشخصية والعقارية، نتيجة رفع معدل اتفاقية إعادة الشراء الذي بلغ 1 في المائة أثناء أزمة كورونا وهو الآن 2.25 في المائة، إلى جانب الارتفاع الكبير في معدل الفائدة على الاقتراض بين البنوك التجارية "سايبور". وبما أن البنوك عادة تتحوط أكثر وتتخذ إجراءات للحد من المخاطر الائتمانية فهي تستبق الأحداث وتبالغ في رفع معدلات الفائدة خصوصا أن معظم القروض لدينا ليست بفائدة متغيرة، فتضطر البنوك إلى رفع معدلات القروض ذات العوائد الثابتة، وبالذات طويلة الأجل منها.
بدأ الناس في الولايات المتحدة هذه الأيام التأثر بحدة بالارتفاع المفاجئ لتكلفة الاقتراض، حيث يبلغ - على سبيل المثال - حجم قروض بطاقات الائتمان حاليا أكثر من 1.1 تريليون دولار، وهذا النوع من القروض يتأثر مباشرة بتغير سعر الفائدة، كون بطاقات الائتمان تتبع أسلوب الفائدة المتغيرة، وحاليا تجاوز متوسط تكلفة الفائدة عليها 20 في المائة، ومن المتوقع لها مزيد من الارتفاع.
تأثير أسعار الفائدة في الناس ليس فقط في بطاقات الائتمان، بل كذلك في تكلفة القروض العقارية وشراء السيارات وغيرها، ولا سيما أن معظم الناس يعتمدون على الشراء بالاقتراض. هذه الأيام ارتفعت تكلفة القروض العقارية الثابتة لمدة 30 عاما إلى نحو 6 في المائة، أي ارتفعت بمقدار الضعف وأكثر في كثير من الحالات. هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة هي معدل الفائدة السنوية بحسب النسبة المتناقصة، وليست النسبة الثابتة المعمول بها في البنوك السعودية. لكن في كل الأحوال هذا يعني أن تكلفة الاقتراض في المملكة قد ارتفعت بالقدر نفسه الذي شهدته الولايات المتحدة وسترتفع بالتزامن والتناسب معها في الفترات المقبلة.
التخوف من الدخول في مرحلة ركود اقتصادي ليس بسبب الركود الاقتصادي في حد ذاته، بل في توقيت هذا الركود إن حدث هذه المرة وذلك لكون الاقتصاد الأمريكي بدأ يتعافى من تبعات أزمة كورونا مع انخفاض غير مسبوق في معدلات البطالة، وبالتالي سيأتي الركود في الوقت الخاطئ.
رفع أسعار الفائدة بشكل سريع وكبير لا يعني بالضرورة الدخول المؤكد في ركود اقتصادي، حيث حصل في 1994 رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس ولم يحدث هناك ركود. ورغم ذلك، معظم الحالات السابقة التي تم فيها رفع معدل التمويل الفيدرالي بشكل متتال تلاها ركود اقتصادي، ويعني بالمناسبة تراجع الناتج المحلي لربعين متتاليين أو أكثر. كما أن امتداد فترة الركود تكون أحيانا سريعة، أقل من عام واحد، ويعود بعدها الاقتصاد للتعافي وتتحسن معدلات البطالة وترتفع مبيعات الشركات وأرباحها. حتى عقب رفع معدل الفائدة التاريخي الشهير عام 1980 إلى نحو 20 في المائة، لم يحدث ركود اقتصادي طويل المدى.
تبقى لدى "الفيدرالي الأمريكي" أربع جلسات من المتوقع رفع أسعار الفائدة فيها من 1.75 في المائة حاليا إلى نحو 3.5 في المائة بنهاية العام، وهذه نسبة كبيرة لا شك وستكون تأثيراتها حادة في شتى المجالات. وبحسب التوقعات ستستمر في الارتفاع لتبلغ 4.25 في المائة في 2023 ومن ثم تتراجع في 2024 إلى 2.5 في المائة.
من المهم الإشارة إلى أن "الفيدرالي الأمريكي" لديه سياسة المحافظة على نسبة تضخم في حدود 2 في المائة سنويا، كون ذلك يعني أن الاقتصاد يمر بمرحلة نمو طبيعي وصحي، لذا لا يتوقع أن تستمر أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة كون ذلك يرفع من تكلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية ويخرج "الفيدرالي" عن سياسته المعلنة بشأن مستويات التضخم.
التحركات السريعة لـ"الفيدرالي الأمريكي" سببها بالطبع يعود إلى الارتفاع الحاد في نسبة التضخم التي لا بد من السيطرة عليها حتى إن أدى ذلك إلى ركود اقتصادي مؤقت. وعندما يتم رفع أسعار الفائدة تجف السيولة النقدية في البلاد وتتراجع الضغوط التضخمية، لكن العبرة تكون في قدرة الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة بشكل يكفي للسيطرة على التضخم دون إيقاع أضرار جسيمة في الاقتصاد.
إنشرها