الجمعيات العلمية مصادر معرفية هائلة

تمثل الجمعيات العلمية ركنا رئيسا في تنشيط البحث العلمي في الدول التي تنشأ فيها هذه الجمعيات، ولو قدر لأحدنا وبحث في "جوجل" تحت اسم الجمعيات العلمية لوجد المئات، إن لم يكن الآلاف، منتشرة في كل أنحاء العالم، وتشمل كثيرا من المجالات المعرفية، بكل فروعها، وتصنيفاتها الدقيقة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، في مجال الطب نجد: جمعية القلب، وجمعية أمراض الحساسية، وجمعية طب العيون، وجمعية طب العظام، وجمعية أمراض الدم.. إلخ، كما أن في التربية جمعيات علمية، مثل: جمعية الإدارة التربوية، وجمعية طرق التدريس، وجمعية المناهج، وجمعية تقنيات التعليم، وجمعية التربية الخاصة، وغيرها من الجمعيات.
تمثل الجمعية مظلة مختصة تجمع تحت سقفها المختصين، وتلم أشتاتهم في مرفق منظم له هيكلته الإدارية التي تنظم شؤون العلاقات بين المختصين، وقواعد العمل، والمؤتمرات التي تعقد، وورش العمل، والدورات، وكل الأنشطة المنوطة بالجمعية من قبل الجمعية العمومية التي تتكون من أعضاء الجمعية، مع الاختلاف في نوع العضوية بين العضو العامل، والمنتسب.
معظم الجمعيات الرائدة تصدر مجلات علمية تنشر فيها البحوث المختصة للأعضاء، وغيرهم، وميزة المجلات كونها قنوات نشر تتسع من خلالها دائرة انتشار البحوث، واطلاع الباحثين الحرصاء على كل جديد في المجال أينما كانوا، وفي السابق كانت المجلات تصدر ورقيا، واليوم نرى سهولة وصول الوجبة المعرفية إلى مبتغيها بسرعة فائقة.
المؤتمرات السنوية التي تعقدها الجمعيات تمثل مائدة كبيرة يتحلق حولها علماء التخصص يقدمون من خلالها منتجات جهودهم، وعصارة أفكارهم بما توصلوا إليه من نظريات، أو نتائج ميدانية، أو مختبرية، ومعملية، ليمثل الجديد في المعرفة طاقة متجددة تشحذ الهمم، ويؤسس عليها باحثون آخرون بحوثا جديدة تكشف شيئا جديدا، وبهذه الجهود تتطور المعرفة، وتنمو لتواصل المجتمعات نموها، وتحسين وضعها المعيشي بسبب ما توصلت إليه البحوث من مكتشفات جديدة تسهم في صحة الناس، ورفاهيتهم، وجودة حياتهم، ورقي تعلمهم.
أول خبرة لي بالجمعيات العلمية وأنشطتها العلمية كانت عندما كنت طالبا في أمريكا، حيث عقدت الجمعية الأمريكية للبحث التربوي مؤتمرها السنوي في مدينة مونتريال الكندية وحضرت المؤتمر وهالني عدد الحضور الذي تجاوز الستة آلاف، وعدد البحوث المقدمة، والجلسات المتزامنة طوال أيام المؤتمر الثلاثة، حتى إن الجلسات تمثل موائد معرفية تتنافس فيما بينها لجذب الحضور، هذه الخبرة رسخت لدي قيمة الجمعيات العلمية، وتفتحت الشهية لحضور المؤتمرات فيما بعد.
منذ ما يقارب 40 عاما بدأت الجمعيات العلمية تتشكل في أحضان الجامعات السعودية لأسباب عدة، منها أن أساتذة الجامعات الذين درسوا خارج البلاد وجدوا نظام الجمعيات العلمية قائما في الدول التي وفدوا إليها للدراسة، ولإدراكهم أهمية وقيمة الجمعيات العلمية في تحفيز البحث العلمي وتنشيطه من خلال الأدوات التي تتوافر لديها، كما أن الجامعات مصدر دعم للجمعيات بما يتوافر لها من إمكانات، من توفير المقر، وخدمات إدارية، واستخدام للمرافق، خاصة أن الجمعيات لا موارد مالية لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي