Author

إندونيسيا ومشروع العاصمة البديلة لجاكرتا

|
قبل انتشار جائحة كورونا بأشهر قررت إندونيسيا أن تقتدي ببعض الدول التي تخلت عن عواصمها القديمة لمصلحة عواصم جديدة مثل ماليزيا والبرازيل ونيجيريا ومصر، خصوصا في ظل تحول عاصمتها جاكرتا إلى مدينة مزدحمة بالبشر وخانقة بعوادم المركبات والشاحنات وأدخنة المصانع، فضلا عن مخاطر تعرضها للهزات الأرضية والفيضانات الموسمية وموجات المد البحري التي تزورها فتوقف عجلة الحركة والعمل فيها، بل احتمال غرقها تحت الماء بحلول عام 2050.
بناء على هذه المعطيات أعلن الرئيس جوكو ويدودو في خطاب متلفز عام 2019 أنه تقرر بناء عاصمة بديلة لجاكرتا وأن الاختيار وقع على موقع شرقي جزيرة بورنيو - من جزر العالم الكبرى وتشترك إندونيسيا مع ماليزيا وبروناي في ملكيتها، علما بأن الجزء الإندونيسي منها يعرف بكاليمنتان - وتكلفة المشروع تصل إلى نحو 33 مليار دولار، على أن يتم الانتهاء منه بالكامل في الذكرى المئوية لاستقلال البلاد عام 2045. كان المقرر أن تقوم مجموعة بنكية بتمويل جل نفقات المشروع ضمن استثماراتها الخارجية في المدن الذكية والنظيفة، غير أن المجموعة قررت في الآونة الأخيرة أن تنسحب، مبررة عملها بضعف العائد على الاستثمار في هذا المشروع المكلف الذي أطلقت عليه الحكومة الإندونيسية اسم "نوسنتارا"، الأمر الذي تورطت معه إندونيسيا العاجزة عن الإنفاق على المشروع من ميزانيتها العامة، باستثناء خمسة مليارات دولار التزمت بتقديمها لأغراض بناء القصر الرئاسي والبرلمان الجديدين والمباني الحكومية الرئيسة الأخرى. يعتقد المراقبون أن المجموعة البنكية، أقدمت على الانسحاب من "نوسنتارا" بسبب مراجعات مالية وتخطيطية تعودها لها كما وصفت هذه الصفقة بأنها غير رابحة، وذلك في أعقاب رفضها التعهد بمواصلة عمليات إعادة الشراء لدعم سعر سهمها.
لكن مراقبين آخرين يرون أن مسألة انسحابها نابعة من ضعف ثقتها بإمكانية توليد عائد مضمون ومجز لاستثماراتها في إندونيسيا أو ربما يكون سببه الخوف من تعرض المشروع لعراقيل بيروقراطية، خصوصا في ظل وجود معارضة للمشروع من داخل إدارة الرئيس ويدودو، تارة بحجة أنه مكلف للغاية وبالتالي فمن الأجدى إنفاق المبالغ المخصصة له على مشاريع تحسين وتطوير البنية التحتية في جاكرتا وغيرها من المدن الكبرى، وتارة أخرى بحجة أن بناء عاصمة جديدة في جزيرة بورنيو سيهدد بيئة الجزيرة المعروفة باحتضانها عديدا من النباتات والأشجار والطيور والحيوانات النادرة. وهناك من فسر سبب انسحاب المجموعة البنكية برفض المسؤولين الاستجابة لبعض اشتراطاتها ولا سيما تلك المتعلقة بألا يتجاوز عدد سكان العاصمة الجديدة 50 مليون نسمة وضرورة نقل كل الصناعات الدقيقة ورؤوس الأموال من جاكرتا إلى كاليمنتان.
وكل هذه الروايات تعود إلى تقارير صحافية إعلامية محلية، والحال أن إدارة ويدودو الآن في مأزق، وتحاول بشتى الوسائل إيجاد مصادر بديلة للتمويل. وفي هذا السياق قيل إن الملجأ الوحيد المتاح هو طرق أبواب الصين. غير أن المستثمرين الصينيين لا ينفقون إلا بأوامر وتوجيهات دولتهم والأخيرة قد تلجأ إلى مقايضة التمويل بتنازلات سياسية من جاكرتا حيال قضية الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي التي تعد إندونيسيا من أطرافها الرئيسة.
ومن هنا، يعتقد أن حكومة ويدودو ستنتهز فرصة انعقاد قمة مجموعة العشرين المقبلة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في جزيرة بالي لعرض مأزقها على المؤتمرين طلبا للتمويل. وفي هذا الإطار ذكرت مصادر إعلامية إندونيسية أن مراهنة جاكرتا لجهة الحصول على تمويل خارجي آخر بعرض المشروع على بعض الجهات في دول منطقة الخليج حيث ترغب في قيادة مجموعة صفقات في القارة الآسيوية خاصة أن بعض هذه الدول لديها استثمارات سابقة هناك، كما أنها أعربت عن اهتمام الجانب الخليجي بالاستثمار في "نوسنتارا" عندما زار لوهوت بنسار باندجيتان الوزير الإندونيسي المنسق للشؤون البحرية والاستثمار عددا من دول الخليج في أوائل آذار (مارس) الماضي.
وعلى صعيد آخر في ظل البحث عن مصادر تمويلية أخرى مضمونة فقد وجدت جاكرتا بعض الحل عند بنك آسيا للتنمية ADB الذي يتخذ من مانيلا مقرا له، حيث تعهد الأخير الشهر الماضي بالمساعدة في تطوير "نوسنتارا" باعتبارها مدينة محايدة الكربون وشاملة، وذلك في بيان جاء بعد أيام من قرار الرئيس ويدودو تعيين بامبانج سوسانتونو نائب رئيس البنك السابق رئيسا جديدا لهيئة العاصمة الجديدة.
إنشرها