عصر الإنفوميديا

تعيش المجتمعات هذه الأيام في ظل موج هادر وتسارع غير مسبوق للتقنيات القائمة على الطفرة الحاصلة في الوسائط المعلوماتية الإعلامية والاتصالات والإلكترونيات التي ألقت بظلالها على جميع جوانب الحياة. وجعلت من الصعوبة بمكان أن يتصور الإنسان كيف ستدار الحياة دونها. لقد كنا نسمع عن البيوت الذكية ولم نكن نتصور أننا سنصل إليها ونعيشها بهذه السرعة، حيث أصبح بالإمكان إدارة البيوت عن بعد وتهاوت الجدران والحواجز أمام هذا السيل الهادر من التقنيات.
أصبحت إضاءة المنازل وضبط درجة حرارتها وبرودتها عن طريق الهواتف الذكية أمرا عاديا وأضحت طلبات المنازل من أكل وشرب ووسائل ترفيه وغيرها كلها تتحقق بضغطة زر دون حركة مادية من الإنسان. وشملت هذه الطفرة جميع جوانب الحياة كالجانب الاقتصادي، حيث تجرى جميع العمليات المالية دون الحاجة إلى الذهاب للبنوك كما كان سابقا، بل الدخول إلى عالم المال والأعمال بسهولة من خلال تطبيقات الحواسيب والهواتف الذكية لدرجة اختفت معها دفاتر الشيكات أو تكاد.
وكذلك في المجال الصحي أصبحت مراقبة الإنسان لوضعه الصحي ومعرفة نتائج تحاليله وأدويته أمرا ميسورا من خلال تطبيقات المستشفيات والمراكز الصحية. وشملت الجانب التعليمي الذي أسهمت جائحة كورونا في سرعة تطور التقنيات المتعلقة به وشمل ذلك التعليم عن بعد ورصد النتائج وحضور الندوات والمؤتمرات وورش العمل دون الحاجة إلى السفر أو بصفة شخصية مباشرة.
ومن الطبيعي أن يكون لكل شيء سلبيات ففي الجانب التعليمي سيفقد الدور التربوي للمعلم والمدرسة ما لم يتم إيجاد صيغة وسطية، تحفظ الحد الأدنى المطلوب لتنمية الجانب الأخلاقي والشخصي للطلاب في جميع مراحل التعليم.
وفي الجانب الاقتصادي ظهرت بعض الممارسات التي سببتها هذه الطفرة التقنية وأدت إلى الإخلال بالأمن الاقتصادي، من خلال اختراق أمن المعلومات والوصول إلى الحسابات الشخصية للأفراد وحسابات المؤسسات والشركات وسرقة معلوماتها، والحصول على الأموال بغير وجه حق.
ومن هنا يلزم النظر في إيجاد أنظمة اقتصادية تكون أكثر فاعلية لمواجهة ودرء مثل هذه المخاطر التي تؤثر في المجتمع وتهز ثقة أفراده بمؤسساتهم المالية. إن طفرة الإنفوميديا لن تقف عند حد فهي ككرة الثلج تزداد يوما بعد يوم في سعيها للسيطرة على كل مفاصل الحياة وهذا يحتم ضرورة الاستعداد ليتمكن المجتمع أفرادا ومؤسسات من الاستفادة من إيجابياتها وتجنب ما سيصحب سرعة انتشارها من سلبيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي