Author

الاقتصاد المهدر

|

هناك ظاهرة منتشرة في كثير من الدول، وهي ظاهرة أساءت للاقتصاد وأساءت للأخلاق وأرقت المنظمات الدولية ذات العلاقة. إنها ظاهرة الهدر الغذائي التي لطالما كانت هاجسا لأصحاب الضمائر الحية، إذ كيف يلقى الطعام في حاويات القمامة في الوقت الذي يعاني فيه ملايين البشر من الجوع! جمعية حماية المستهلك في المملكة أشارت أخيرا إلى أن قيمة الطعام المهدر تقدر سنويا بنحو 49 مليار ريال وهو رقم مهول ولا شك، ويستدعي تدخلا عاجلا من جميع الجهات ذات العلاقة. وهدر الطعام ليس مقتصرا على المملكة ودول الخليج، بل هو ظاهرة عالمية كما أشرت، ولذا فإن معظم الدول تسعى جاهدة إلى تقليص هذه الظاهرة والحد منها. منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" FAO ذكرت أن الحجم العالمي لهدر الطعام يصل إلى 1.3 مليار طن والبالغة تكاليفها 750 مليار دولار سنويا، مشيرة إلى أن هذا يكفي لسد جوع ما يقارب مليارين من البشر. يعود الإسراف في مجتمعاتنا إلى اعتماد أنماط سلوكية خاطئة وإلى ثقافة متوارثة تمثلها الجملة الشهيرة "الزود ولا النقص"، وهي جملة ما أنزل الله بها من سلطان ولا تتفق مع ما ورد في محكم التنزيل. "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". ولا تتماشى مع ما ورد في السنة المطهرة "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة". وقد عمدت كثير من الدول حرصا منها على تجنب التداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة، سواء على الأمن الغذائي أو على البيئة أو على الاقتصاد، إلى إعداد برامج تثقيفية ومبادرات نوعية، ففي ألمانيا مثلا تم إجبار المطاعم على عدم إعطاء الزبون أكثر من حاجته وفي حال إصراره على ذلك، فإنه يدفع غرامة مالية إذا لم يستهلك كل ما طلبه. وبالنظر إلى الواقع، فإن كمية الطعام الذي يقدم في المطاعم والفنادق الذي يزيد على حاجة الناس بكثير تعد من أكثر أسباب الهدر الغذائي. التوجيهات الربانية واضحة في نهيها عن الإسراف والتبذير، وفي الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه لغرس ثقافة احترام النعمة وتجنب الهدر في نفوس الناشئة خصوصا، فإنه يلزم إصدار قوانين ملزمة لمحاربة هذه الظاهرة وهو ما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي دعت في أكثر من موضع إلى ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد.

إنشرها