ميزان المخاطر أشد ميلا إلى التطورات السلبية «1 من 2»

تثير الحرب في أوكرانيا مخاطر تهدد الاستقرار المالي في العالم وتطرح تساؤلات حول تأثيرها الأطول مدى في الاقتصادات والأسواق. فاندلاع الحرب، وسط أجواء تشهد بالفعل بطء التعافي من جائحة كورونا، يمثل اختبارا لصلابة الأسواق المالية، ويفرض تهديدات على الاستقرار المالي.
وتواجه أوكرانيا وروسيا أشد المخاطر إلحاحا. ومع هذا، من الواضح بالفعل أن حدة الاضطرابات في أسواق السلع الأولية والانقطاعات في سلاسل الإمداد تولدان مخاطر التطورات السلبية من خلال تأثيرها السلبي في الاستقرار المالي الكلي والتضخم والاقتصاد العالمي.
ومنذ بداية العام، ضاقت الأوضاع المالية بشكل كبير في معظم أنحاء العالم، ولا سيما في أوروبا الشرقية. ووسط تصاعد التضخم أدت التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة إلى تشديد الأوضاع بشكل ملموس في الاقتصادات المتقدمة خلال الأسابيع التي أعقبت الحرب. حتى مع ذلك التشديد، تظل الأوضاع المالية قريبة من متوسطاتها التاريخية، كما لا تزال أسعار الفائدة الحقيقية تيسيرية في معظم الدول.
ويساعد تشديد الأوضاع المالية على إبطاء الطلب، كما يمنع انفلات التوقعات التضخمية (أي عندما يصبح توقع استمرار ارتفاع الأسعار مستقبلا هو القاعدة) من إعادة التضخم إلى مستواه المستهدف.
وقد يصبح لزاما على كثير من البنوك المركزية الإسراع بالتحرك إلى ما هو أبعد من مستوى التسعير الحالي في الأسواق لاحتواء التضخم. وهذا من شأنه أن يرفع أسعار الفائدة الأساسية إلى مستويات أعلى من المحايدة (المستوى "المحايد" هو الذي لا تكون السياسة النقدية عنده تيسيرية ولا تقييدية وتتسق مع اقتصاد يحافظ على التوظيف الكامل لعوامل الإنتاج وعلى استقرار التضخم). ويؤدي ذلك على الأرجح إلى مزيد من تشديد الأوضاع المالية العالمية.
ويسفر الواقع الجغرافي السياسي الجديد عن تعقيد عمل البنوك المركزية التي واجهت بالفعل عملية توازن دقيق في ظل الارتفاع المزمن في معدلات التضخم. ويجب عليها أن تخفض التضخم وتعيده إلى مستواه المستهدف، مع مراعاة أن التشديد المفرط للأوضاع المالية العالمية يضر بالنمو الاقتصادي. وعلى هذه الخلفية، وفي ضوء تصاعد المخاطر على الاستقرار المالي، فإن أي إعادة تقييم وإعادة تسعير مفاجئة للمخاطر نتيجة اشتداد حدة الحرب أو لتصاعد العقوبات على روسيا، قد تكشف النقاب عن بعض مواطن الضعف التي تراكمت أثناء الجائحة (طفرة أسعار المساكن والتقييمات المغالى فيها)، ما يؤدي إلى تراجع حاد في أسعار الأصول.
لا تزال تداعيات الحرب وما تلاها من عقوبات تتسبب في حدوث اهتزازات. وستكون صلابة النظام المالي العالمي موضع اختبار من خلال مجموعة متنوعة من القنوات المحتملة لتضخيم الآثار. وتتضمن هذه القنوات تعرض المؤسسات المالية لمخاطر الانكشاف للأصول الروسية والأوكرانية، وسيولة السوق، وضغوط التمويل، وتسارع وتيرة اعتماد العملات المشفرة، أي: أن يختار المقيمون استخدام الأصول المشفرة بدلا من العملة المحلية، في الأسواق الصاعدة.
وبعض البنوك وغيرها من المؤسسات المالية بدرجة غير قليلة للأصول والأسواق المالية الروسية. علاوة على ذلك، قد يفرض التقلب الحالي في أسعار السلع الأولية ضغوطا حادة على تمويل السلع الأولية وأسواق المشتقات، ويمكن أن يسبب مزيدا من الانقطاعات، مثل التقلبات الشديدة التي أوقفت بعض عمليات تجارة النيكل الشهر الماضي. وظهور هذه النوبات، وسط تصاعد أجواء عدم اليقين الجغرافي السياسي، يمكن أن يؤثر في أوضاع السيولة والتمويل.
وتواجه الاقتصادات الصاعدة والواعدة الآن مخاطر أعلى من خروج التدفقات الرأسمالية، وإن كانت هناك تفاوتات عبر الدول بين المستوردة للسلع الأولية والمصدرة لها. ووسط أجواء عدم اليقين الجغرافي السياسي، ستزداد على الأرجح مخاطر هروب رؤوس الأموال في ظل الأثر المتبادل لضيق الأوضاع المالية الخارجية وعودة سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي العادية "مع تطبيق أول زيادة لأسعار الفائدة في شهر آذار (مارس) الماضي، وتوقع سحب الدعم للميزانيات العمومية في وقت أسرع"... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي