الرماديون
رسالة جميلة وصلتني من قارئ يتحدث فيها عن رحلة التغيير في حياته بعد أن تجاوز الـ 40 عاما وكيفية فهمه الأمور بشكل مختلف يقول: "منذ كنت صغيرا كانت الحياة بالنسبة لي إما أبيض أو أسود ولا مكان فيها للون الرمادي، في مراحل دراستي التعليمية فقدت كثيرا من الأصدقاء بسبب مواقف في غاية التفاهة لأنني لم أكن أقبل الأخطاء الصغيرة منهم ولا أغفرها لهم، فالأصدقاء الحقيقيون في نظري يجب أن يكونوا واضحين كاللون الأبيض أو الأسود، كنت أتعامل مع الناس حولي كقطع الشطرنج التي لا تكون في مكانها الصحيح، فيجب أن تكون خارج حدود رقعة الشطرنج، في الجامعة كنت انعزاليا تماما بسبب نظرتي المتطرفة في الحياة التي لا تقبل بأنصاف الحلول وعثرات البشر ومحاولة تجاهل أخطائهم فركزت على دراستي، حين توظفت في إحدى الشركات المرموقة وأثبت جدارتي تم تعييني مدير قسم فدخلت معارك عظمى مع الموظفين كنت أريد أن يكون الجميع نسخة مني في الجد والاجتهاد والعمل الكامل، كنت لا أتقبل أي خطأ مهني بسيط منهم، وإذا حدث يجب أن يقدموا اعتذارا خطيا بذلك أحفظه بملفاتهم، أصبح جو التوتر سائدا وفي الوقت الذي كنت أتطلع فيه إلى الكمال المهني منهم كانت الأخطاء تتزايد والإنتاجية تقل والإحباط يسود داخل أرواحهم فقدم كثيرون منهم طلبات للنقل من العمل، زوجتي الأولى عانت مني بشكل كبير وشعرت أنها تعيش حصارا نفسيا داخل قلعة مخيفة لا يقبل صاحبها بالأخطاء ولا الأعذار ولا العمل البشري الناقص ولا يقبل إلا بالكمال "يا أبيض يا أسود" ففضلت الهروب نجاة بنفسيتها من الانهيار، اليوم حين تخطيت الـ 40 أدركت أن اللون الرمادي هو لون الحياد الذي يترك الباب مواربا، ويجعلنا نتقبل ذواتنا كبشر لا يمكن أن نحقق معادلة المدينة الفاضلة لأفلاطون ولو حرصنا، وإذا كان قلم الرصاص يحمل فوق رأسه ممحاة الأصل فيه توقع الأخطاء قبل كتابتها، فلماذا لا نتقبل أخطاء غيرنا وهفواتهم خاصة أن الأصل في الإنسان عدم الكمال؟، وأدركت أن اختلافاتي مع الآخرين فرصة لأتعرف على القدرات التي أمتلكها وكيف أسخرها للتعايش معهم وتقبلهم كما هم لا كما أريدهم أن يكونوا، اليوم أشرب كل أنواع القهوة وأحظى بأصدقاء مختلفي الطباع، وأتفهم اختلاف وجهات النظر بيني وبين أبنائي، وأتغاضى عن زلات من حولي، ولا أغضب حين تتكاسل زوجتي عن أعمال المنزل، بل أجدها فرصة لمساعدتها وربما هذا هو سر نجاح زواجي الثاني"
وخزة:
"هل حان الوقت لتكون رماديا لتفهم حياتك بشكل أفضل؟.