هواجس حرب
كلما ارتفعت أصوات الحرب في هذا الكوكب ترتفع هواجس الآباء والأمهات تحديدا أكثر من غيرهم، تصبح متابعة نشرات الأخبار بحثا عن تفنيد مخاوف صغيرة، مخاوف معيشية عادية، وبحثا عن أمل ألا تتسع دوائر الحروب، وتكبر آثارها، آثارها التي في الأغلب ما تصيب الأطراف الأضعف.
الحروب مؤلمة وقاسية، والسلام عنوان حياة سمى الله عز وجل به نفسه ليكون من الأسماء الحسنى، والحسن الذي يجب أن تكون عليه معيشة البشر، الذين خلقوا ليتعارفوا ويتعايشوا وليس ليقتتلوا.
سيل جارف من الأخبار عبر جميع وسائل الإعلام، ومن المحتوى الصحيح والمفبرك والمنحاز من جميع الوسائل الأخرى، هذا يلوح بارتفاع أسعار الخبز، وذاك يتحدث عن ارتفاع أسعار الطاقة، وآخر يقول إن الحرب على ذوي العيون الزرقاء، ليست كالحرب على ذوي العيون السوداء والعسلية، ونحن نتلقى ونراقب، ونهجس.
لا بد من حمد الله كثيرا على نعم الأمن والأمان، الأمان السياسي والغذائي، والروحي، والنفسي الذي نعيشه في بلادنا، لكن التأمل في حال الصراعات يصيب المرء بالغثيان، أولا لأن الحرب بشعة، وثانيا لأن المكاييل لا تتساوى عند الإعلام الغربي، والشخصيات الغربية عند الحديث عن الإنسان.
يزعج أيضا اتخاذ البعض الحروب مادة للتسلية والتندر والاستخفاف وكأنها ليست محرقة للحضارة، ومهلكة للإنسان والزرع والأرض، ويزعج أكثر التعليقات السطحية على الأطفال أو النساء من ضحايا الحرب، أي حرب، وبعض المقارنات غير السوية، وأقول غير السوية لأن من يمكنه الضحك أو حتى الابتسام بسبب ويلات البشر أيا كان عرقهم أو دينهم هو في اعتباري الشخصي غير سوي العقل، وغير نقي السريرة.
أعود إلى الهواجس الطبيعية للآباء والأمهات، الهواجس الكامنة من حروب كثيرة، التي تستحث كلما بدأ العالم يتحدث عن كوارث، ويطلق أوصافا سينمائية مرعبة على ما يحدث، عندها تستحضر الدعاء لوالديك اللذين طالما أرقهما ما يحدث في العالم القريب منا والبعيد عنا خشية أن يؤثر في حياتك، ومعيشتك، أو مستقبلك.
هذه القرية الكونية وإن كنا -والحمدالله- في جزء منيع وقوي منها لم تعد ترضى بمحدودية التأثير، تصر على إنجاح فكرة "العولمة" خاصة عند حدوث الضرر، خاصة أن ربابنة هذه العولمة لا يبصرون بأفئدتهم ويعتقدون أن أعينهم تكفي وهي ليست كذلك.