إعادة هيكلة قطاع الكهرباء والمشتري الرئيس «2 من 2»

قرار نقل ملكية "المشتري الرئيس" إلى الدولة سيعود بالفائدة والنفع على موثوقية الخدمات المقدمة للمشتركين ورفع كفاءة توليد المحطات وخفض استخدام الوقود السائل ورفع مستوى الالتزام البيئي، ويرفع درجة استقلالية المشتري الرئيس ماليا وإداريا ويمكنها من اتخاذ قراراتها بكل حيادية وموضوعية دون الرجوع إلى القيادة التنفيذية للشركة السعودية للكهرباء أو مجلس إدارتها. ويعزز الخدمات المقدمة إلى المستهلك ويخفض تكاليفها، ويسهم في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بصورة أكبر، لأن المشتري الرئيس يفترض أن يطرح كل مشاريع الطاقة سواء المتجددة أو غيرها. لقد توقعت الشركة السعودية للكهرباء ألا يكون لنقل ملكية المشتري الرئيس للدولة أثر جوهري في أدائها المالي أو حقوق مساهميها، لكن نرى ضرورة مراقبة الأثر المالي لأي إجراء هيكلي. في الجانب الآخر، يجب النظر بكل حيادية وموضوعية إلى مستقبل المشتري الرئيس إذا كان الهدف هو التوجه نحو سوق كهربائية تنافسية، حيث تنص الممارسات العالمية على إنشاء مشغل سوق Market System Operator في سوق الكهرباء التنافسية، ولا يمكن الجمع بين أدوار المشتري الرئيس الحالية مع مشغل السوق المتوقعة في كيان واحد، لأن ذلك يعد تضارب مصالح صريحا. إن أهم أدوار مشغل السوق هي إدارة الأعمال التجارية لمنصة تبادل الطاقة الكهربائية، أو وسيط بين أطراف متعددة، وهذا يتعارض مع أدوار المشتري الرئيس. وفي حالة إنشاء مشغل السوق، يفترض أن تضمحل أدوار المشتري الرئيس لوجود السوق. مع الإشارة إلى أن التحدي يكمن في كسر عقود طويلة الأجل - 25 عاما في المتوسط - أبرمها المشتري الرئيس مع المنتجين.
لم تنته الإصلاحات الهيكلية لقطاع الكهرباء بقرار نقل ملكية المشتري الرئيس، ويتوقع المضي مع مزيد من الإجراءات. فقد سبقت عدة إجراءات سابقة مثل تأسيس شركة لتوليد الطاقة الكهربائية تابعة للشركة السعودية للكهرباء بناء على موافقة الجمعية العمومية للشركة السعودية للكهرباء في كانون الأول (ديسمبر) 2018. وفي عام 2012، أنشئت الشركة الوطنية لنقل الكهرباء، وهي مسؤولة عن تشغيل نظام النقل وتملك شبكة نقل الكهرباء في المملكة، لكنها مملوكة إلى الشركة السعودية للكهرباء. وكذلك إنشاء مشغل النقل Transmission System Operator، وكذلك لا يزال المشغل مملوكا للشركة السعودية للكهرباء، ومشغل النقل مسؤولا عن التنسيق والمراقبة والتحكم في منظومة النقل الكهربائي من حيث الموثوقية وأمنية الطاقة وجدولة وتحميل مولدات محطات التوليد. إن أحد متطلبات الانتقال إلى الوضع التنافسي وكسر الاحتكار هو إنشاء شركة لنقل الكهرباء لكن يجب أن تتبع سياسة مفتوحة وغير متحيزة للتوصيل بمنظومة النقل واستخدامها دون تمييز من قبل جميع المنتجين وكبار المستهلكين المتصلين بشبكة النقل. وعليه، لا تزال المعضلة نفسها بملكية الشركة السعودية للكهرباء في الشركة الوطنية لنقل الكهرباء، كما حدث مع المشتري الرئيس، فهل يتم نقل ملكيتها أيضا؟ أو يوجد توجه آخر مناسب؟ لعلنا نقرأ من المشهد الحالي هو التوجه إلى خصخصة قطاع التوليد بكامله، من خلال تجزئته ومن ثم خصخصته، مع بقاء الشركة السعودية للكهرباء في الشركة الوطنية لنقل الكهرباء فقط، وبالتالي لا تدعو الحاجة إلى مشغل النقل المستقل Independent System Operator أو نقل مليكة المشغل وشركة النقل. وقد تضاف مهام قطاع النقل مع التوزيع لتكون "نقل وتوزيع الكهرباء" أو شركة قابضة Holding Company تملك شركتي النقل والتوزيع، إلى حين فصل التوزيع إلى شركات مناطقية تأخذ وقتا وإجراءات ليست بالسهلة أو الممتعة.
ودعونا نتحدث بعيدا عن المثالية والنظرية، فالواقعية هي سيدة الموقف. إن الإجراءات التنظيمية تصبح معقدة في قطاع التوزيع فيما يتعلق بالأداء المالي مثل توزيع الديون وحقوق المساهمين والملاءة المالية وغيرها، وكذلك النظم القانونية في مراجعة الدساتير الخاصة بالشركة وضمان الحقوق، وأخيرا الرقابة والتنظيم الفني من خلال التأكد من جاهزية شبكات النقل والتوزيع وتثبيت جميع العدادات الذكية بين النقل والتوزيع وغيرها، وعادة ما يكون توافر البيانات وصحتها مقلقا للغاية. ولأن الهيكلة قبل الخصخصة Privatization، فمن الضروري وضوح الهدف النهائي من إعادة هيكلة قطاع الكهرباء قبل الشروع في أعمال الخصخصة، لأن هذا من شأنه خدمة الاستثمار والمستثمرين وتوفير بيئة تنافسية وتعظيم قيمة الأصول ماليا وتجنب تدخل الدولة بالضمانات. فهل الهدف هو إنشاء وتأمين المشتري الرئيس فقط والسماح لسوق تعاقدات ثنائية Bilateral Contracts بين بعض المنتجين وكبار المستهلكين، أو تأسيس سوق كهرباء تنافسية Wholesale Electricity Market، أو تأسيس سوق كهرباء تنافسية بالتجزئة Retailing Electricity Market؟ والأخير يقضي بفتح السوق كاملة تحت إطار الإصلاح الهيكلي لقطاع التوزيع، حيث يمكن لأي مستهلك اختيار الشركة التي تقدم له الخدمة من مجموع شركات يرخص لها البيع بالتجزئة Retailers في المناطق التنافسية مثل المدن الكبرى فقط مع الإبقاء على الممارسة الاحتكارية في المناطق الأقل جاذبية. مع الإحاطة أن نظام الكهرباء المعتمد بقرار مجلس الوزراء رقم 262 وتاريخ 14 / 5 / 1442 هـ، ولائحته التنفيذية، أشارا إلى الانتقال إلى سوق كهرباء من غير تحديد طبيعتها.
في الختام، تحقق قطاعات الكهرباء المعاد هيكلتها في الممارسات العالمية فوائد ملموسة، ومنها رفع الكفاءة وحسن التدقيق وجودة الإنفاق وتعزيز الشفافية وتحقيق الاستدامة والتنافسية وستعود بالنفع الكبير على الاقتصاد والمستهلكين، بما يسهل الاستثمار الأجنبي ورفع معدلات التوظيف النوعية، لكن من الأهمية تحديد الهدف النهائي من الهيكلة قبل الخصخصة ولا يمكن الجمع بينهما. بينما تحقق قطاعات الكهرباء المعاد هيكلتها في الممارسات العالمية فوائد ملموسة، ومنها رفع الكفاءة وحسن التدقيق وجودة الإنفاق وتعزيز الشفافية وتحقيق الاستدامة والتنافسية، وستعود بالنفع الكبير على الاقتصاد والمستهلكين، بما يسهل الاستثمار الأجنبي، ورفع معدلات التوظيف النوعية، لكن من الأهمية تحديد الهدف النهائي من الهيكلة قبل الخصخصة، ولا يمكن الجمع بينهما. بينما يواجه إعادة هيكلة قطاع الكهرباء عديدا من التحديات التي تجب معالجتها تحت مظلة اللجنة الوزارية لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، والشركة السعودية للكهرباء، التي ستتحمل العبء الأكبر في إيجاد طرق وحلول مناسبة، تماما كما عمل في الخطوة الموفقة بقرار نقل ملكية المشتري الرئيس إلى الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي