«جيل الطيبين»
الناس في هذا الزمان مشغولون عن بعضهم بعضا ببعضهم بعضا، الانشغال في الأغلب في الـ"هناك " عن الـ"هنا"، عن البعض القريب ببعض بعيد، وهم يبحلقون في الشاشات أكثر مما يطالعون وجوه من حولهم، ومصطلح الشبكة العنكبوتية في بداية تداوله كان يوحي أنها شبكة مترابطة متوالدة تبني نفسها بنفسها، الاستخدام ينسج مزيدا من الخيوط، هذا الإيحاء -حسب رأيي- أخفى أنها في حقيقة الأمر مصيدة من الصعب الفكاك منها، وكيف يمكن الفكاك منها "الآن ومستقبلا"، وقد أصبحت جزءا أساسيا من الحياة.. الافتراضية، التي تعتمد عليها الحياة الواقعية.. تخيل مقدار الهشاشة هنا.
وتنشر بين فترة وأخرى إحصائيات تقول إن السعوديين الأكثر استخداما للهاتف الجوال مقارنة بدول ومجتمعات أكثر سكانا، ولا أعلم مدى صحة هذه الإحصائيات، لكن ما أعلمه أن كثيرا من الخدمات و"الحاجات" في بلادنا تتم عن طريق تطبيقات الجوال، بل إن بعضها لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال الجهاز العجيب، هل هذا أمر صحي ودليل على تطور مفيد أم لا؟ أترك الجواب للقارئ، لكن الواقع أن هشاشة الشبكة العنكبوتية تعرفها من هشاشة الألياف البصرية والاعتماد عليها وحدها لا شك يبعث على القلق، وانظر إلى حال الناس حين انقطاع خدمة الإنترنت وهم في حالة إدمان ما يطلق عليه "التواصل" وأكثر المستخدمين هم في وضع الإرسال أكثر من الاستقبال، بل إن البعض يعيد إرسال ما لم يطلع عليه وكأنه يذكر بوجوده لا غير، وتشبه المنصات على الإنترنت مثل تويتر وغيره، "رول" طويل لا ينتهي "رول" يطويه ويطوي غيره ثم يعيد تدوير نفسه، والمستخدم أو الزائر المشاهد المغرد.. المدمن، لا يختلف عن حال القارض المسجون في قفص، يركض حول نفسه في عجلة دائرية محكمة فلن يصل إلى وجهة ما ولن يناله سوى الإجهاد، وما بين جهازي الكمبيوتر والهاتف الجوال من اختلاف حدث هو تحول القيود إلى متحركة، فالمعصم الممسك بالهاتف الجوال يتشبث بقيده الجديد، هذا هو واقع جيل نحن جزء منه، والطيبة ليست محصورة في جيل عن أجيال أخرى سبقته أو تلحق به لكن المصطلح، "جيل الطيبين" الذي رسم منذ فترة في الساحة وإعلام التواصل يخبر عن حنين "مفهوم" للماضي أكثر من أن يعني احتكارا للطيبة والبساطة، جيل كانت تمسك به قيود أخرى غير مرئية وأضيف لها قيد بإشعارات رنانة.