مواجهات «الغلاظة»
إقناع المراهقين صعب، التجربة الحياتية تثبت ذلك يوما بعد يوم، كنا نعاند النصح أثناء مراهقتنا، لكننا كنا أقل حدة وأكثر تكتما في ممارسة أي شيء يخالف النصح الموجه لنا.
مراهقو اليوم أصعب، خاصة مع ارتفاع مستويات الذاتية والفردانية، وانغلاقهم على عوالم افتراضية وتقنية أصبح لزاما تفهمها إلى الحد الذي لا يضر بأمانهم وحمايتهم، وزيادة مصادر التلقي التي ربما يجدون فيها أحيانا تبريرا لبعض تصرفاتهم.
كثير منا يحذر أبناءه من المخاطر الصحية لأشياء كثيرة، عادات، أسلوب حياة، أطعمة وأشربة، وهذه الأخيرة كثرت أخيرا مع الأسف مع اعتياد الناس على أنماط غذائية قولبتها العولمة والشركات لتصبح تقريبا جزءا أساسيا ومقبولا من نمط معيشتهم.
مثلا، يحذر معظمنا أبناءه وأحبته من مشروبات الطاقة، ويسرد عليهم ما قرأ أو عرف من أضرارها، فيرد عليك المراهق بأنها في حدود معينة لا تضر، ويعزز جدله بلمسة على هاتفه النقال ليخرج لك دراسة مثل التي ظهرت الأسبوع الماضي، كدراسة "حديثة" عنوانها يحذر من مخاطر صحية ونفسية يتعرض لها المراهقون بسبب مشروبات الطاقة، لكن متنها وتفاصيل الخبر تصيبك بالإحباط.
الدراسة التي أشير إليها تحذر بعد مقدمات معهودة من أن الاستهلاك المتكرر "خمس علب أو أكثر أسبوعيا" يرتبط بضعف الصحة العقلية والبدنية، فماذا يفهم المتلقي؟ سيفهم أن ثلاث أو أربع علب أسبوعيا ستبقيه في دائرة الأمان.
أحيانا أشعر أن "لوبي" الشركات المنتجة لبعض الأغذية والمواد الضارة هو من يتبنى الدراسات التي تحذر لتحقيق قدر من المصداقية، ثم يمرر أن استهلاك كمية معينة هو ما يسبب الضرر، والضرر في هذه الحالة أو المثال يشمل الإصابة بالصداع ومشكلات النوم والتهيج والاستبعاد من المدرسة.
في الدراسة نفسها "تمريرة" أخرى تقول، إن العلبة الواحدة من مشروب الطاقة تحتوي على كمية الكافيين نفسها الموجودة في جرعة إسبريسو، إضافة إلى "مكونات أخرى". وتضيف "ويوصى بتناول كمية معتدلة من الكافيين يوميا، تصل إلى 400 مليجرام للبالغين، لكن لا يوجد سوى القليل من الأبحاث حول المستويات التي يمكن تحملها للمراهقين والأطفال".
اليوم أنت لا تواجه "سن الغلاظة"، كما يوصف من الأمهات والآباء، إنك تواجه آلة إعلامية اتصالية أذكى وأعمق مما تتصور، وأنت في زمن لم يعد في الإمكان ممارسة السلطة الوالدية كما مورست عليك، فأعانك وأعانني الله.
فهم آليات وتكتيكات مسوقي الأشياء الضارة قد يساعد على معركتك مع هذا المراهق، وإذا هزمت فعليا، أو انتصرت ظاهريا، فلتنضم إلينا في الصف.