الآثار المدمرة للجائحة .. جيل يواجه الضياع «3 من 3»

بشأن إعادة فتح المدارس بأمان. إذا كنت تشعر بالانزعاج من صور ملايين الأطفال الذين يجلسون ويحدقون في التلفزيون، فإليك بعض الحقائق الأكثر إزعاجا: إن أكثر من نصف الأسر المعيشية في 30 بلدا إفريقيا لا تحصل حتى على الكهرباء. ولا تتوافر لعدد كبير للغاية من الأطفال في العالم، ظروف مواتية للتعلم في المنزل، ولا تتوافر لكثير منهم خدمات الإنترنت، أو أجهزة مناسبة للدخول على الإنترنت، أو المال لدفع تكلفة البيانات أو ثمن الكتب، أو حتى مكان لاستذكار دروسهم في المنزل. لكن التعليم مسعى اجتماعي بطبيعته، وهو يتطلب تفاعلا متواصلا. وهذا يعني وجود مدارس مبنية، ومن الضروري أن تفتح هذه المدارس أبوابها أمام الطلاب والمعلمين وتكون آمنة لهم. وهناك حاجة إلى استثمارات. وفي كثير من الأحيان، لدينا الأموال اللازمة لذلك، وكذلك المبادئ التوجيهية التي تتيحها الوكالات الدولية بشأن كيفية إعادة فتح المدارس بأمان. لكن ما ينقص في كثير من الدول عموما، هو الشعور بالحاجة الملحة على الصعيد الوطني.
الاستثمار في التعلم عن بعد. أتمت فرق البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إجراء تقييم للتعلم عن بعد خلال عامين من الجائحة، ولم تكن النتائج مشجعة دائما. لكن الجائحة أظهرت لنا أن الأساليب المبتكرة للتعلم الهجين التي تجمع بين التعليم داخل الفصل الدراسي والتعليم عن بعد من خلال الاستخدام الذكي للتكنولوجيات الرقمية، هي أساليب باقية حتى إشعار آخر. بيد أن الاستثمار في التكنولوجيا يجب أن يقترن بذكاء بالاستثمار في بناء مهارات التعلم. فقد عجلت الجائحة من حدوث تغيير في طرق التفكير بشأن استخدام التكنولوجيا، وثمة فرصة صغيرة سانحة أمامنا لإقناع المعلمين والإداريين بالنظر إلى التكنولوجيا باعتبارها جزءا من عملية التعلم. فضلا عن ذلك، فإن تلك الجائحة أو الكارثة الطبيعية ليست الأخيرة التي قد تجبر المدارس على الإغلاق. ومن خلال تسهيل استمرار عملية التعلم في المنزل، فمن شأن تحسين مستوى تكنولوجيات التعلم داخل الفصل الدراسي أيضا أن تزيد فعالية المنظومة التعليمية عندما تعاود المدارس فتح أبوابها وعندما تضطر إلى إغلاق أبوابها.
إن برامج التعليم العلاجي للتعويض عن فرص التعلم الضائعة، ففي الولايات المتحدة، عاد الطلاب في الخريف الماضي إلى فصولهم الدراسية، ولم يزد مقدار مهارات القراءة التي تعلموها خلال العام الدراسي 2019 - 2020 على ثلث ما كانوا سيتعلمونه في العادة داخل الفصل الدراسي.
وفي عديد من الدول التي طال فيها أمد إغلاق المدارس، ينتقل الطلاب إلى صفوف أعلى دون أن يستوعبوا ولو جزءا صغيرا مما تم تدريسه في الصف السابق. وما لم يتم تعويض ما فات، ولا سيما للأطفال في الصفوف الدراسية الأولى حيث تكون الخسائر أفدح، فقد ينتهي بهم المطاف إلى التسرب من الدراسة. وعلى مستوى العالم، يجب أن تتكيف المدارس مع احتياجات الطلاب سواء المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب، أو صحتهم العقلية ورفاهيتهم. ومع ذلك، مما يبعث على التفاؤل أن الطلاب الذين انخفض مستوى تعلمهم في العام الماضي يتعافون في العادة بوتيرة أسرع من غيرهم إذا حصلوا على تعليم علاجي. لكن لا يمكن تحقيق ذلك دون دعم إضافي للمعلمين ومديري المدارس.
وحول تفادي حدوث خسارة دائمة، فللمساعدة في هذه الجهود تعمل مجموعة البنك الدولي على دعم نحو 100 مشروع تعليمي متصل بجائحة كورونا في أكثر من 60 بلدا. ويصل مجموع استثماراتها في تلك المشاريع إلى 11 مليار دولار.
ويشكل ذلك مستوى قياسيا للبنك الدولي، وإن كان محدودا مقارنة بمبلغ 72 مليار دولار الذي تتيحه الحكومة الاتحادية الأمريكية للمدارس الحكومية لإعادة فتح المدارس بأمان. وتساند مجموعة البنك الدولي دولا متنوعة، مثل شيلي والأردن وباكستان. وثمة حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتمويل العودة إلى الدراسة داخل الفصول، ومساعدة المدارس الحكومية على اعتماد أساليب تدريس تمزج بين التعلم الإلكتروني والتعلم داخل الفصل الدراسي وتدريس الطلاب بناء على المستوى الذي يحتاجون إليه اليوم بعد أشهر من حرمانهم من التعليم، مع التركيز على المهارات الأساسية ورفاهيتهم العاطفية.
مستقبل مليار طفل في جميع أنحاء العالم بات على المحك. وما لم نعد هؤلاء الأطفال إلى المدرسة مرة أخرى ونجد سبلا لمعالجة آثار هذا الانقطاع، فإن جائحة كورونا ستؤدي إلى انتكاسة هائلة لهذا الجيل. وعندما نحدد الحصيلة النهائية لتداعيات الجائحة، سيتضح لنا أن أكبر ضرر لها هو ضياع فرص التعلم على التلاميذ في المدارس. وبعد عشرة أعوام من الآن ربما ننظر إلى الوراء ويهولنا أن أكبر خسارة دائمة لهذه الجائحة كان من الممكن تجنبها. يمكننا التحرك الآن واتخاذ ما يلزم وتجنب عض أصابع الندم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي