قطعة أرض
هل ترغب في شراء قطعة أرض في عالم "الميتافيرس" أي العالم الافتراضي المرتقب؟ لا ألومك فهناك احتمال أن تتضاعف قيمتها وتحقق ثروة لا أعرف إلى الآن إن كانت ستكون "افتراضية" أم يمكنك رؤيتها في كشف حسابك في المصرف.
أيضا هناك احتمال ألا تتضاعف قيمتها لأن الكل سينشئ له مخططا افتراضيا ويبدأ في بيع الأراضي ويصبح العرض أكثر من الطلب، فتخسر "افتراضيا" وربما يعلن إفلاسك "افتراضيا" وتقام عليك دعوى ليتم الحجز على أملاكك الحقيقية للتنفيذ لمصلحة الدائنين!
هذا ليس كلاما ساخرا، وليس استشرافا، فالحقيقة أن التحول التدريجي إلى الافتراضي يقنع أناسا كثيرين، والواقع أننا اليوم نعيش أشياء وإن بدت واقعية إلا أنها تمثل إرهاصات الافتراض، فمثلا أنت لا تلمس ولا ترى نحو ثلاثة أرباع دخلك، يأتيك رقميا وتنفق معظمه رقميا، صحيح أنك تدفع مقابل كهرباء تحسها، وماء يلامس بشرتك، وطعام يدخل جوفك، لكنك لم تعد تلمس المال، وتحمله، وتناوله إلى غيرك.
الاحتمالات القادمة تصيبك بالذعر إذا كنت في عمري، وتزيد حماسك وإثارتك إذا كنت من عمر أبنائي، فالأجيال القادمة مقتنعة بالفكرة نظريا أكثر منا، مقتنعة أنها ستتمشى في شارع افتراضي فخم، وتدلف إلى متجر الأحذية الافتراضي في الشارع نفسه وتشتري تلك الماركة، ثم تضعها في خزانتها الافتراضية في الشقة الافتراضية التي ربما تكون بنيت افتراضيا في الأرض التي بعتها أعلاه.. افتراضيا.
سؤال مثلي ومن هم أكبر مني يفقد دلالته الفلسفية والروحية لدى الناشئة، سؤالي عن المتع الحسية والحواس الخمس الحقيقية لا يجد تأملا كما أتمنى، فكثيرون مقتنعون أنه سيكون هناك شم افتراضي، وتذوق افتراضي، بل حتى مطعم للأرز البخاري افتراضي يقبل الشراء بعملة افتراضية.
ثم ماذا نفعل؟ لا يبدو هذا هو السؤال الصحيح، السؤال الصحيح ماذا سيفعل ملاك التقنيات والعوالم الافتراضية بالبشرية بعد عقدين من الزمن أو ربما أقل؟ لا نعرف على وجه التحديد كيف سيكون طعم الحياة، لكن لو أتيت بإنسان عاش قبل قرن من الزمان إلى وقتنا هذا ربما أحس أن حياتنا لا طعم لها، وأن كثيرا من أشيائنا وهمية.
هذا الحديث وهذه المباحث لا يمكن المرور عليها هكذا سريعا، تحتاج إلى أكثر من استفسارات ساخرة، ومخاوف مغلفة بعلامات الاستفهام، لكن الأمر قادم وربما يمكن لمن فاته شراء متر الأرض ببضعة ريالات في شمال الرياض أن يجرب أو يجرب أبناؤه إذا لم يدرك هو ذلك شراء قطعة أرض في شمال المدينة الافتراضية القادمة.