بنوك الوثائق والمعاملات
قال إدموند بيرك: الشيء الوحيد الذي يجعل الشر ينتصر هو أن يظل الخير ساكنا لا يفعل شيئا. هذه هي الحقيقة في المعارك القانونية والساحات القضائية، والأماكن العدلية، لا ينتصر الباطل وصاحب الباطل لقوته وبيانه وقدرته في تقديم حجته وجمع أدلته، لكن لضعف صاحب الحق وقلة أدلته، وتفريطه في القوة التي عنده، والتذبذب في المواجهة والمدافعة وانعدام الاستراتيجية وغياب الخطة وعدم وضوح الهدف.
هذا التمركز لا يأتي اعتباطا ولا يتحقق بمحض المصادفة دون استعداد وتهيؤ، وعلى كل صاحب حق وتاجر وصاحب سوق جمع أدواته من أول التعاملات وبداية التعاقدات وحفظ السجلات والمعاملات والاستعانة بالخبير في البداية والأثناء وبعد، ومع حاجة المعتركات القانونية والمذاكرات القضائية إلى تقديمها في قالب من البيان وحسن في الصياغة وترتيبات في التقديم والتأخير والإظهار والإخفاء لأنها عوامل الانتصار ومعدات الظفر والنجاح عند أمكن القضاة وألمع المحكمين وخبير المستشارين، لأنها العدة التي عليها المعول وعلى رحاها تظهر النتائج، يقول - عليه الصلاة والسلام -: «إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» متفق عليه.
وهذا الحفظ والعناية يكونان نافعين غاية النفع إذا كانا بجهد فردي في توجيه الدعوى وتكييفها والحكم فيها، فكيف إذا كانا وفق آليات وسياسات وخبراء في القطاعين الحكومي والأهلي ومنافسة بين الشركات. هذه الأعمال بدأت بوادرها بجهات توثق بعض العقود واعتباره توثيقا نظاميا في تجارب قليلة، وفي حال خروج هذه الكيانات وزيادتها ومزاولتها أعمالها وتنوع طرائقها وتعدد أساليبها، وإشراف عليها من جهات عدلية عليا تضع الأسس والمعايير والضوابط المقررة في حفظ الحقوق وقطع النزاع.
وربما عند القيام بهذه الأعمال وإتقانها لا نحتاج إلى كثير من أعمال القضاء أو زيارة المحاكم أو وقوع الخصومات والنزاعات، وهذا منجز ضخم عظيم بحد ذاته لو تحقق، وكم من نفس نازعت صاحبها في الخطأ والجور والتعدي والظلم؛ منعها احتياط الطرف الآخر وحسن استعداده وقوة موقفه، قال أفلاطون "قيمة الرجل تكمن فيما يستطيع تحقيقه بالقوة التي بين يديه" .