Author

ظواهر تحتاج إلى دراسة

|
يكثر عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا تقارير الجهات المعنية بالزواج، إيراد إحصائيات الزواج، والطلاق، والخلع، حتى ليصدم المرء حين يجد الأرقام متقاربة بين أعداد الزواج والطلاق، مع النسب المتزايدة في طلبات الخلع التي تتقدم بها الزوجات إلى المحاكم ضد الأزواج، ومع أن الخلع آلية من آليات فض الحياة الزوجية أقرها الإسلام متى ما توافرت شروطه، وتم وفق الآليات الرسمية، إلا أن زيادة الحديث عنه، وتحوله إلى مادة نقاش وطرح بين النساء، حيث يتم تبادل الخبرات فيه ممن سرن في هذا الطريق مع مثيلاتهن.
أبغض الحلال إلى الله الطلاق، إلا أن اللجوء إليه من قبل الرجل، أو طلب الخلع من الزوجة لا يجب أن يتم لأي سبب، لذا وصف بأنه أبغض الحلال عند الله، رغم ما يترتب عليه من تجاوز لمعضلة، أو معضلات تحول دون استمرار الزواج بالصورة الطبيعية التي يتحقق فيها، ومعها الدفء والسكينة والاطمئنان "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".
ما من شك أن الطلاق بنسبه المتزايدة قد يحل مشكلة، ويخرج من أزمة لطرف أو كلا الطرفين الزوج، أو الزوجة التي في الأغلب قد تكون الطرف الأضعف، متى ما كان الزوج متعنتا متجبرا ولا يأخذ بمبدأ الرحمة والشفقة الواجب سيادتها بين الطرفين، ولذا تلزم دراسة أسباب ظاهرة الطلاق بكل أبعادها الاجتماعية والنفسية، والاقتصادية، والثقافية، وما من شك أن عدم الانسجام والتوافق بين الزوجين تمثل العوامل النفسية دورا بارزا فيه، خاصة ما يتمثل في حالة القبول، والتقبل، والحب بين الطرفين التي تحقق الرضا، والشعور بالسعادة، والعوامل النفسية أمور معقدة يدخل فيها العامل البيولوجي والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، فما يحدث من محبة، أو نفور لا يمكن عزله عن تلك العوامل، فخاصية التسلط عند أحد الزوجين، أو البخل، أو العناد تجعل الحياة الزوجية جحيما لا تطاق ليحدث الطلاق، وهذا على عكس الأريحية، والكرم، وخاصية التودد، واللين، حيث تزيد العلاقة متانة تنعكس على الاستقرار في الحياة الزوجية. قلة ذات اليد للزوج في زمن المغريات الحياتية في اللباس، والمجوهرات، والسيارات، والأثاث، والسفر والفسح، والمآكل لم تعد مخفية داخل أسوار البيوت، كما كان الحال سابقا، فالكاميرا أصبحت تنقل الأحداث والفعاليات أولا بأول بصورة حية، ما يجعل الحياة صعبة على الزوج إن لم يجد من يتفهم وضعه، ويقدره ويراعيه، وهذا يمثل مهددا قويا لبيت الزوجية.
تدخلات البيئة المحيطة من الأهل والأقارب والأصدقاء والصديقات ذات تأثير إيجابي عندما يوجد الوعي، فتكون النصيحة المخلصة، والتوجيه السديد الذي يبرز الإيجابيات، ولا يضخم السلبيات، أما عندما يفتقد الوعي، فالأثر السلبي سيكون النتيجة الحتمية، لأن المحيطين يغفلون الإيجابيات، ويبرزون السلبيات، حتى تكبر الصورة السوداء في الذهن، ومع الوقت يحدث الشرخ، وتتدهور العلاقة، ويكون الانفصال هو الحل.
الثقافة الفردية والاجتماعية لها دور مؤثر في العلاقة الزوجية، وفي الوقت الراهن تعددت مصادر الثقافة، إذ لم يعد المصدر الأبوين، فالأفلام، والروايات، وزملاء العمل، والأصدقاء، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها أصبحت منافسا شرسا للأسرة في إمداد الشباب بالمعلومات، وتشكيل المفاهيم، وإعادة تشكيلها، بما في ذلك الثقافة الخاصة بالزواج، والعلاقة بين الزوجين.
كتبت إيما جونسون كتابا بعنوان الأم المنفصلة المتميزة: كوني مستقلة ماليا، واكتشفي ذاتك الرائعة وربي أطفالا سعداء، ومميزين. التأمل في عنوان الكتاب يثير تساؤلات عدة أولها هل بالضرورة الأم المنفصلة متميزة؟ وما سر التميز لديها؟ هل اعتمادها على نفسها يحقق لها التميز، أم أن مجرد الانفصال يمثل إنجازا يميزها عن غيرها ممن لم ينفصلن وما زلن يحافظن على بيت الزوجية؟ وهل للاستقلالية المالية التي أكدها عنوان الكتاب دور في تحريك رغبة الانفصال عند الزوجة؟ وهنا يلزم التفريق بين ثقافات المجتمعات، ففي الإسلام الزوج ملزم بالنفقة مهما بلغت الزوجة من الثراء، ومالها لها ولا دخل للزوج فيه، وهذا خلاف الثقافة الغربية التي يسود فيها الشراكة، ولذا محفز الاستقلال المالي يسقط كسبب يدعو للانفصال في الثقافة الإسلامية، أما اكتشاف الذات الرائعة فليس لازما لتحقيقه الانفصال، فالعيش في كنف أسرة متكاملة بجناحيها الأب والأم يترتب عليه مناخ يجلب السعادة ويحقق اكتشاف الكيان الذاتي بكل إيجابياته وعناصر قوته. السعادة والتميز للأبناء لا أعتقد تحققهما في حالة الانفصال، فلكل من الوالدين لمساته الخاصة به التي تلبي احتياجات لدى أبنائهما.
إنشرها