معرفة الشر

منذ الأزل والخير والشر موجودان ويدخلان في صراع بين الحين والآخر. يثار سؤال مفاده هل يلزم الإنسان معرفة الشر والإحاطة به وبأساليبه أم يكتفى بمعرفة الخير وسلوك طريقه والالتزام به دون الالتفات لخصمه العنيد وهو الشر؟ إنه بالتأمل والاستقراء يتضح جليا أن الحكمة والقدرة لا تكتمل إلا بإيجاد الشيء وضده ليعرف كل واحد منهما بصاحبه، فالنور يعرف بالظلمة والعلم يعرف بالجهل والنفع يعرف بالضر وهكذا يتضح أن الخير يعرف بالشر.
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كاتم سر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول، "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه". وصدق الشاعر حين قال،

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه

ومن المشاهد في واقع الحياة أن أبعد الناس عن الوقوع في الشر هو من يكون أعرف الناس به. قد يستصغر الناس الوقوع في بعض الشرور جهلا أو عمدا ظنا أنها لا تستحق حتى مجرد الوقوف عندها. وقد يحجم البعض الآخر عن بذل اليسير من الخير معتقدا أن ذلك لا يفيد، ولكن لو تم التأمل في هذه الآية الكريمة لتغير حال كثير من الناس، "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"، فهناك أمور بسيطة من الخير لا تكلف شيئا كإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف وكالتبسم في وجوه الآخرين، سيجد صاحبها مردودها في الدنيا والآخرة، والعكس صحيح فالشر مهما صغر ومهما كانت طبيعته سيحاسب عليه الإنسان، ومن ذلك من يؤذي الناس في طرقاتهم بإلقاء المخلفات أو التعرض للنبات أو الحيوان بسوء.
ومن أعظم ما قد يبتلى به إنسان أن يقدم على عمل شر وهو يتصور أنه خير. الآن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح نشر الخير أو الشر أمرا ميسورا، ولذا كان لزاما على كل عاقل أن يراجع ما يكتبه أو ينشره فينظر هل هو خير أم شر حتى لا يقع في شر عمله.

والشر كالنار تبدو حين تقدمه
شرارة فإذا بادرته خمدا
وإن توانيت عن إطفائه كسلا
أورى قبائل تشوي القلب والكبدا
فلو تجمع أهل الأرض كلهم
لما أفادوك في إخمادها أبدا

المزيد من مقالات الرأي