معدلات أنواع الفائدة

تنقسم معدلات الفائدة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هي الاسمية والحقيقية والفعلية. وتطرقت مقالة الأسبوع الماضي إلى معدلات الفائدة السالبة التي استخدمتها المصارف المركزية في عدد محدود من الدول. والمقصود بمعدلات الفائدة في المقالة هي المعدلات الاسمية التي يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام والإعلان عنها من قبل المصارف. ولا يأخذ هذا النوع في الحسبان العوامل الاقتصادية كالتضخم أو عدد الدفعات السنوية. أما إذا تم إدخال عامل التضخم في حسابات الفائدة فإنها تسمى الفائدة الحقيقية.
ويعرف معدل الفائدة الحقيقي بأنه معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم. ولو نظرنا لمعدلات الفائدة الحقيقية للسندات الحكومية حول العالم حاليا لوجدنا أن معظمها سالبة، بل إن عديدا من معدلات الفائدة التجارية الحقيقية سالبة في بعض الدول المتقدمة. وهو ما يعني أن المقرضين يدفعون للمقترضين، حيث تتناقص القيمة الحقيقية للقروض مع مرور الوقت.
عند ارتفاع معدلات التضخم تتراجع القيمة الحقيقية للنقود بسرعة وتتراجع معها معدلات الفائدة الحقيقية. وكانت معدلات الفائدة الحقيقية تاريخيا قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 موجبة إلا في أوقات محدودة، كما حدث في بعض فترات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وقد تبنت المصارف المركزية منذ الأزمة المالية العالمية سياسات التيسير النقدي الذي خفض معدلات الفائدة الأساسية الاسمية إلى مستويات قريبة من الصفر. وأدى هذا إلى تراجع معدلات الفائدة التجارية الحقيقية إلى مستويات متدنية، ولكنها كانت موجبة بعض الشيء بسبب انخفاض معدلات التضخم، لكن ارتفاع معدلات التضخم أخيرا قاد إلى تدني معدلات الفائدة الحقيقية إلى ما دون الصفر. وتراهن المصارف المركزية بأن ظاهرة التضخم الحالية عابرة ومؤقتة. وسيثبت الزمن صحة هذه الفرضية أو خطأها، حيث سيعقد عدم صوابها السيطرة على التضخم مستقبلا.
سجلت معدلات التضخم الشهرية في الدول المتقدمة أخيرا معدلات مرتفعة مقارنة بالمعدلات السائدة منذ 2008. وكانت الولايات المتحدة الأعلى في معدل التضخم بين هذه الدول حيث بلغ 7 في المائة. ويفوق هذا المعدل كثيرا العائد على السندات الأمريكية طويلة الأجل البالغ نحو 2 في المائة، ما يعني أن معدل الفائدة الحقيقي حاليا على هذه السندات هو سالب 5 في المائة تقريبا. أما في جانب القروض فتنخفض معدلات الفائدة أيضا، حيث تقل عن 4 في المائة على قروض السيارات لمرتفعي الجدارة الائتمانية، وهذا يجعل معدل الفائدة الحقيقي سالب 3 في المائة تقريبا. وينطبق التحليل نفسه على القروض العقارية الأمريكية التي تقل الفائدة فيها عن 4 في المائة. وتشهد عديد من الدول حول العالم معدلات فائدة حقيقية سالبة. وتخفض المصارف التجارية معدلات الفائدة التي تتقاضاها وتحقق أرباحا لأن تكلفة الحصول على السيولة تقل عن معدلات الفائدة التي تجنيها من قروضها. كما يبدو أن المصارف التجارية وكثيرا من المؤسسات المالية تتوقع تراجع معدلات التضخم الحالية مع مرور الوقت.
معدلات الفائدة الفعلية هي معدلات الفائدة التي تأخذ في الحسبان توقيت وعدد الدفعات السنوية. فعند الحصول على قرض لعدة أعوام، فإن تاريخ السداد عادة يكون شهريا وتحل أول دفعة سداد ربما بعد شهر من تسلم القرض. وهذا يعني تلقي المصرف أجزاء من أصل القرض كل شهر التي حسبت عليها معدلات سنوية، ما يرفع معدل الفائدة الفعلي بعض الشيء. ويلاحظ في المملكة ارتفاع معدلات الفائدة بشكل كبير على قروض السيارات وبالذات ما يسمى التمويل الإسلامي. وتذكر إحدى شركات التمويل المشهورة أن معدل الفائدة التي تتقاضاها على السيارات 24 في المائة، وهو ما يعني معدل فائدة فعلي بحدود 27 في المائة، وهو معدل مرتفع جدا على الرغم من انخفاض تكاليف حصول المصارف على السيولة. ومن الممارسات المعهودة لدى المصارف التجارية في أرجاء العالم أنها تذكر معدلات الفائدة الاسمية - التي تقل عن الفعلية - عند منح القروض لتشجع العملاء على الاقتراض، بينما تذكر معدلات الفائدة الفعلية عند التطرق إلى عوائد الادخار.
تدني معدلات الفائدة الحقيقية إلى ما دون الصفر يحفز الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي. وهذا من أبرز عوامل قوة نمو الطلب في عديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. ويشجع تدني تكاليف الفائدة بشكل خاص شراء المنازل والسلع المعمرة كالسيارات. ويمكن ملاحظة ارتفاع الطلب على العقارات والسيارات أخيرا في كثير من الدول، الذي أسهم في تضخم أسعارها حتى أثناء الجائحة. من جانب آخر يثبط تدني الفائدة الحقيقية الادخار واقتناء السندات ويحفز الاستثمار في الأصول الحقيقية وعلى رأسها الأسهم حتى السلع الأولية للحفاظ على قيم الثروات وتنميتها. وهذا يفسر جزءا كبيرا من نمو مؤشرات الأسواق المالية حول العالم والمدفوعة بانخفاض تكلفة الاقتراض. وتتحفز الأسواق المالية تجاه أي مؤشرات لرفع معدلات الفائدة الأساسية التي تعني ارتفاع تكلفة الاستثمار والاستهلاك والحد من نمو الأسعار ورفع معدلات الفائدة الحقيقية. وهناك حاليا طفرة كبيرة في أسواق الأسهم حول العالم بسبب تراجع معدلات الفائدة، ومن المتوقع أن يقود رفعها إلى الضغط على أسواق المال العالمية. لهذا تقاوم المصارف المركزية رفع معدلات الفائدة خشية أن يتسبب تراجع مؤشرات أسواق المال في تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي